ذهبت لزيارة أحد الأصدقاء بعد فترة انقطاع طويلة، وإذ به يخبرني عن جمال تجاوز سن الخمسين، فأخبرته بأنني شعرت بالضيق والخوف لما فككت ارتباطي بالثلاثين وأصبحت على مشارف الأربعين، وأنت تخبرني بسعادتك!
قــال لي: نعم شعرت بعد تجاوز هذا العمر بأنني الآن وجدت روحي ووجدت نفسي واستطعت أن أعي وأستوعب الحياة بالشكل الأفضل.
نظرت إلى حياتي وصراعاتي السابقة وكم دخلت في جدال ونقاش على مسائل كنت أحسبها من الأهمية بمكان، لكن الواقع أثبت أنه لا مكان لها في حياتي، تخاصمت مع أشخاص على مناصب ومسميات وألقاب لا وجود لها الآن، الكل سيذهب من حولك وستبقى ذاتك وروحك التي بين جنبيك التي أهملتها طوال السنوات السابقة.
يخبرني هذا الصديق أنه كان يبحث عن ذاته وقد استطاع أن يجدها بعد سن الخمسين، ويقول عمر الأربعين بالسابق كان فعلا عمر النضج والركود والاستقرار أما الآن فلا.. الآية الكريمة: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة..). كان من يقود الجيوش لا يتجاوز عمره 15 سنة ومن يتصدر للإفتاء لا يتجاوز العشرين من العمر، أما الآن فتجد الشاب يبلغ من العمر الثلاثين والأربعين ومازال لم يحدد أهدافه ولا ماذا يريد أو يطمح أن يصل له بالمستقبل.
يقول: كنت أحسب نفسي عالما ومطلعا وعلى قدر كبير من المعرفة، لكن بعد الخمسين عرفت أنني جاهل جهلا مركبا وأن معرفتي وإطلاعي ناقصان وأنني كنت أحسب نفسي على شيء، والواقع أنني أردت التصدر قبل أن أستزيد من العلم بالشكل الكافي.
يقول لي: في مرحلة الشباب تريد أن تتكلم قبل أن تتعلم، وتريد أن تكون أول من يتحدث في أي فن ومجال يكون الحديث فيه، وكنت أحس أنه لابد أن يكون لي موقف من كل قضية، لكن الآن علمت أنني غير ملزم بكل هذا يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم..)، مطلوب منك النصح والإرشاد لكن لا تهلك نفسك في سبيل ذلك.
يقول: لأول مرة أشعر فيها بقيمة العائلة والأسرة، وكم كنت مقصرا معهم في مراحل حياتي السابقة، كنت أسيرا من غير هدى وأسعى من غير هدف، لا أشعر بقيمة ما أملك لأني أملكه، لكن بعد تجاوزي الخمسين عرفت قيمة زوجتي والتضحيات التي قامت بها، وعلمت أن الزوجة هي ليست ندا لي، بل هي سند وعون في حياتي، أوليتها الاهتمام وأشعرتها بقيمتها ومكانتها بقلبي وأظهرت لها حبي وتقديري وتقصيري أيضا، بحت لها بما هو مكبوت في داخلي لسنوات، شاركتها في الكثير من أمور المنزل، استغربت مني في البداية عن أسباب التحول المفاجئ، فأخبرتها بأنني قد تجاوزت الخمسين.
الأعمار مجرد أرقام في حياة الإنسان، يقول لي شعورك بأنك مازلت صغيرا سيلازمك حتى لو تجاوزت السبعين، لا يشعر الإنسان بأنه كبر ما دامت فيه روح تدب في جسده.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان حب المال وطول العمر). كلما امتد بك العمر يزداد تشبثك بالدنيا وتشعر بالتعلق بها، لا أحد يريد الرحيل.
نقلت إليكم مشاعر وأحاسيس شخص مر بمراحل حياتنا ويخبرنا عن شعوره الآن، وأن ما يستحق الاهتمام به هو ذاتك وأسرتك وعائلتك ونفسك.
asfor83@gmail.com
