مياه الخليج… لم تعد موطناً للأسماك!
بعد عهد من الازدهار والتكاثر، عاشت فيه طولاً وعرضاً، لم تعد مياه الخليج العربي الملعب المحبب للأسماك التي أصبحت مهددة بالرحيل الدائم، بل إن بعضها لم يعد موجوداً بالفعل، وفق إفادات متخصصين بالبيئة البحرية، الذي «نعوا» أسماكاً كانت موجودة بكثرة في الخليج، ومن أشهر ما تتزيّن به بسطات سوق شرق والفيحيحل.
والصياد الذي كان يدخل إلى البحر، ليعود مركبه محملاً بما لذ وطاب من أنواع السمك، يلملم اليوم شباكه حزيناً على ضفاف الخليج، والحسرة تملأ قلبه على ما مضى، مع آهة ممزوجة بالألم تخرج من قلبه الكليم على تلك الأيام، حين كان البحر يبسط يديه فيها لزواره ويخرج خيراته، فيرجع قاصده منه بالسلال، وأنواع الرزق الحلال.
تلك الأيام التي تداولها البحر، ولم يمض عليها أكثر من عقدين، كانت سلة «الميد» تباع فيها بدينار واحد فقط، وأسماك الصبور بـ8 دنانير، وكانت بسطات السمك في الأسواق وفي المزادات تمتلئ بمختلف الأصناف، وبينها يطوف عشاق اللحوم البيضاء للبحث عن الأرخص والأنسب.
تلك الأسماك التي كانت بالأمس القريب تسبح حتى على الشاطئ، تعزّزت اليوم على عشاقها، وفارقت أحبابها، فهل تغير البحر عليها أم هي التي تغيرت وهاجرت؟
مدير برنامج إدارة الموارد البحرية القائمة على النظام البيئي في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور محسن الحسيني، عدّد لـ«الراي» أسباب قلة الأسماك في مياه الخليج اليوم، وأهمها الصيد الجائر و«الكرف» وهو استخدام شباك الجر الخلفي الذي دمر مخزون الأسماك، وقضى على الكبير منها والصغير ولم يسمح لها بإنتاج البيض والتكاثر. وقال «هناك أسماك شبه منتهية لدينا مثل الصبور والهامور والحمرا».
وذكر الحسيني أن «السبب الثاني وراء ندرة الأسماك، تدمير الموائل، وهي القيعان التي تعيش فيها الأسماك، سواء كانت أراضي طينية أو شعباً مرجانية أو طحالب، ويتم ذلك من خلال تصريف مياه المجاري في البحر»، مؤكداً أن «ذلك يدمر البيئة التي تعيش فيها الأسماك ويؤدي إلى انخفاض مخزونها».
وفيما أشار إلى أسباب أخرى كثيرة لها علاقة بقلة الأسماك، منها تضخم عمليات الصيد بشكل يفوق الكميات الموجودة في البحر، عزا بائعون لـ«الراي» قلة الأسماك في السوق إلى عوامل أخرى، منها قلة الصيادين مقارنة بالسنوات السابقة، وقلة الأماكن المحددة للصيد وبعض الاجراءات الصعبة في منح التراخيص، موضحين أن الأسعار القديمة للأسماك التي كانت سلة الميد فيها لا تتجاوز الدينار وربع الدينار، والصبور من 7 إلى 8 دنانير، انتهت ولن تعود، بسبب قلة الأسماك وندرتها.
ورأى بعضهم أن تغير المناخ وشدة الحر خلال السنوات الأخيرة وراء ندرة الأسماك وقلة تكاثرها أيضاً، لأن بعضها يهبط إلى القاع في الأجواء الحارة ولا يصعد إلى السطح، إلا حينما يكون الماء بارداً، فيما رأى آخرون أن الصيد المخالف في الأماكن غير المسموح بها وراء ندرة الأسماك وانخفاض معدل تكاثرها مقارنة بالسنوات السابقة.