الأمثال والأقوال المأثورة كثيرة، وهي لم توضع عبثا وإنما ليستفيد منها الناس، وقد يفهم البعض أمثالا فهما خاطئا فيفسرها تفسيرا غير صحيح، وهذا وارد. والمثل الذي نحن بصدد الحديث عنه كثر حوله الكلام والأقاويل، وكل أبدى رأيه فيه، ونحن بدورنا نأخذ بالأنسب والأسلم والأقرب الى المعقول، فليس معنى «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب» أن تكون سيفا ذا حدين متسلطا على رقاب العباد، تؤذي هذا وتظلم ذاك، أو أن تكون وقحا وشرسا وعدوانيا وانتهازيا مع الآخرين، فقد يفهم البعض المعنى على هذه الصورة، وإذا كان الأمر هكذا فسنصبح في شريعة غاب، يأكل قوينا ضعيفنا، لذلك لابد من فهم المعنى أولا على حقيقته واستيعابه حتى لا تختلط علينا الأمور، فالمعنى الأقرب إلى الواقع هو أن على المرء أن يكون كيسا فطنا حذرا واعيا لما يدور حوله من أمور، وألا ينخدع ويغر بالمظاهر الزائفة، فزماننا هذا زمان توقع فيه ما لا تتوقع، والطيبة الزائدة قد ترتد على صاحبها عكسيا، فيدفع ثمنها غاليا.
ولنا في نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم القدوة الصالحة، فقد أوصانا صلى الله عليه وسلم بأن «المؤمن كيس فطن حذر»، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «لست بالخب ولا الخب يخدعني»، بمعنى أنه ليس مخادعا والمخادع لا يخدعه، وهذه قاعدة يجب أن نسير عليها لتسير بنا الحياة طبيعية.
وها نحن نرى الكذب والغش والخداع والمراوغة منتشرة في كل مكان، وضحاياها كثر، والسبب السذاجة وسلامة النية والغفلة وعدم الحيطة والحذر، ولايزال الخير والشر يتصارعان في هذه الدنيا حتى تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها. والبغي والظلم والابتزاز والعدوان صور نراها في مجتمعنا وفي كل مكان، وبما أنه لابد لك من الاحتكاك مع الآخرين فلا تكن ساذجا معهم، والحذر من أن تستغل، ثم تقع فيما لا تحمد عقباه والسبب سذاجتك، وكان يوصينا من سبقنا بـ«أن نحرص ولا نخون»، وقد قال منصور بن إسماعيل الفقيه:
احذر عدوك مرة
واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق
فكان أعلم بالمضرة
فمن الواجب الحيطة والحذر خشية الضرر، ولكن دون المبالغة في ذلك وإعطاء الأمور فوق حجمها. ومن أخطر ما يقع به السذج الابتزاز الإلكتروني الذي انتشر في الآونة الأخيرة ودمر حياة أشخاص كثر، والله خير حافظ، ودمتم سالمين.
