أعماق غائرة .. بقلم : فاطمة المزيعل
قيل: «الناس أعداء ما جهلوا»!
فكم عانى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من جهل قومه ما لم يعانه نبي من قبله حتى قال «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت»! وما إن صدع برسالة ربه حتى انقلبت أوضاع حياته رأسا على عقب، حيث لم يكن من السهل على أولئك الناس الذين ألفوا عبادة الأصنام أن يتخلوا عن عاداتهم وممارساتهم المتجذرة في حياتهم وعاداتهم الجاهلية، فكانت رحلته مليئة بالأذى والإهانة لمقامه الشريف.
ولعل من أشد الأيام وأصعبها على رسولنا الكريم هو يوم الطائف، حيث سافر إليها من مكة بعد أن تصاعدت عليه الضغوط والصعوبات، وأحكم حوله المشركون الحصار والمناوأة واستفردوا به، وقام أهل الطائف بعدها ايضا بتكذيبه وقالوا له: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، وعندما يئس انصرف من الطائف راجعا إلى مكة.
لو تأملت في تفاصيل هذه الحادثة ستجد أنها لم تكن الوحيدة! بل كانت سلسلة من العقبات والعوائق التي واجهت نبينا الكريم في دعوته لتغيير واصلاح أمته.
والبشر لديهم حساسية تجاه وجودهم، فلا يتوقفون عند قشرة الحياة الخارجية، بل يغوصون إلى الأعماق الغائرة لها، فـ «الناس أعداء ما جهلوا»! قد يكون الكثير منا لم يستوعب المغزى الحقيقي المراد ايصاله لنا من هذه الحكمة، إلى ان بدأنا المسير بين أروقة الحياة ومعتركاتها، ورأينا المجتمع من حولنا بات ضائعا في أمواج التيه والابتعاد عن المبادئ والقيم وكأنه مسلوب الهوية والارادة.
وهنا يجب أن يدرك المرء خطورة الموقف لأنه ابن المجتمع الذي أحيانا ما يحارب بجهله كل تطور وسعي، كونه صاحب مسؤولية، لذلك عليه أن يتسلح بقوة المعرفة والعلم وحمل تلك المسؤولية دون أن يلتفت لآراء المحبطين المخربين من حوله.
فشباب مجتمعنا صاروا يتأثرون بمختلف الثقافات الدخيلة علينا للأسف والركيكة، إلى ان فقدوا البوصلة التي من المفترض ان تمضي بهم قدما، متناسين أن الانسان الناجح اليوم يجب أن يعي جيدا خطواته، وكيف يجب أن تكون مدروسة مضبوطة على مؤشر الهدف الواضح والحقيقي بعيدا عن منال الأمنيات والخيال، ومتى ما كان كذلك فلينطلق ولا يقف أبدا لأن من حوله قد يجهلون ما يريد عمله، وبنتيجة جهلهم سيطلقون الأحكام من هنا وهناك فيضعون العثرات أمامه.
ونحن نحيا على هدي رسولنا الكريم وعلى هدي أنبيائنا السابقين، فهم الأسوة لكل ما نود عمله بعد ما أن وضحوا لنا طرق الاستقامة وأهم الارشادات التي توصلنا إلى الروح والرضوان في الدنيا والآخرة.
والحياة فرصة تستحق الاغتنام لنفوز بالعاقبة الحسنى، فأخذ العبرة ممن حولنا صمام الأمان لتلك الرحلة الشاقة لنا.