القرآن نور لا يحترق – بقلم : الشيخ احمد حسين احمد محمد
هل تعلمون لماذا يتم انتهاج هذا الأسلوب الخالي من كل احترام للذات وإحراق المصحف الشريف؟ إنهم يريدون أن يشعروك أيها المسلم بالمهانة من خلال فعل أحمق يثير فيك الغضب، والانسان عندما يغضب يفقد ميزان السيطرة على نفسه وهو العقل لأن غايتهم اظهار المسلم للعالم على انه بلا عقل وبلا اخلاق وانه لا يملك أسلوبا حضاريا في التعامل مع الآخر، وإننا كمسلمين نفتقر إلى المعرفة نحو توجيه الأفعال الإنسانية بحكمة، كما نفتقر إلى المبادرة والاهتمام بالبناء الحضاري، ولا ريب أن هذا كله يجعلنا في مرمى الاشتعال اللحظي والإلهاء عن الأمور الايجابية في الحياة.
لا توجد مؤامرة بل هناك من يريد ان يفقد الانسان كينونته وبناءه الاجتماعي، وبالتالي تكون حياته مضطربة لا تحقق اي انجاز على كل الاصعدة.
يؤكد القرآن الكريم على أهمية وجود الشخصية الحضارية في ظل العمل الصالح الذي يخلق العلاقات الإنسانية والاجتماعية الصحيحة ولذا تنصب تعاليمه في اطار العيش المتوازن بين حياة الفرد الخاصة وحياة الفرد الاجتماعية والتي ترتبط مع الانسان المتعدد والآخر، ولذلك يخشى أعداء الاستقامة القرآن لأنه كتاب خطير يمتلك نورانية ذاتية يمكنها صناعة الوعي والاحساس الروحي، وهذا النوع من الكتب يقض مضاجعهم، ولذا يسعون إلى تشويهه والطعن فيه.
يقول الله (كان الناس أمة واحدة)، فالقرآن يريد أن يجعل البشرية موحدة، وهؤلاء الذين يحرقون القرآن يريدون بث الفرقة والتناحر بين البشر وترسيخ العبودية وحكم الجور والظلم بين البشر.
ان موقفنا الحقيقي تجاه احراق القرآن هو بأن نهتم بالقرآن والتعمق فيه بشكل جاد وعلمي حقيقي، ويجب الا نتعامل معه بمذهبية أو فئوية، بل ينبغي استخراج مفاهيمه الحقيقية المستنيرة، فإن في القرآن خطابا مستنيرا للعقل والروح والباطن والظاهر والفرد والمجتمع، وهذا يجعلنا امام مهام جسيمة وجليلة القدر، يجب أن نضطلع بها ونقوم بها لنشر رسالة التسامح والتي لا تكتمل الا جنبا إلى جنب مع رسالة الاقتدار الإنساني، وهما لا يكونان الا بالحكمة التي تنطلق من خلال البصيرة والاستقامة.
يقول الله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، وهذه هي غاية القرآن وسائر الكتب السماوية، لذلك فإننا بحاجة الى أن نثق بأن القرآن اليوم أكثر من السابق هو طريقنا نحو فهم ذاتنا ومعرفة فطرتنا، لأن هذا العصر تتجاذبه تحديات هائلة جدا تريد العبث بالروح الانسانية العالمية وتدنيس الفطرة الانسانية السليمة وخلق اضطراب روحي ونفسي في حياة الافراد والمجتمعات، ولا يجادل احد في ما نشهده اليوم من القرارات والتصرفات التي تروج لكل انحراف أخلاقي وتجعله هدفا مشروعا بتزييف حقيقته وتغيير اسمه كالشذوذ والمثلية وغيرهما، لكن الانحراف لن يستمر، فإن الغلبة في نهاية المطاف تكون للعقل الحكيم والروح الطاهرة والقرآن مصدر أساسي لهما.
ان لكل جزء من أجزاء الكون هدفا يتحرك نحوه لكنها كلها تصب في هدف اكبر وغاية كبرى في الحياة وهي اعمار الحياة بالعبودية لله سبحانه وتعالى، لان هذه الغاية هي التي تستنير بها كل اهداف الحياة.
لقد حدد القرآن الكريم لنا مناهج واضحة لمسيرتنا في هذه الحياة لأنه (ذكرى للعالمين) وهي كلها تهدي «إلى الحق وإلى طريق مستقيم»، أما التشتت والتشرذم والكراهية والتفرق فإنها بضاعة المفسدين.