جنان بوشهري.. رجعت بي 60 عاماً – بقلم : سالم السبيعي
ما أشبه اليوم بالبارحة، وكأن الأحداث تعيد نفسها، أو كأن النوايا الطيبة والصافية حين تتلاقى تكون نتائجها طيبة وخيرة، فمنذ 60 عاما وبالتحديد الرابع من يونيو عام 1963 تقدم النائب العم محمد الرشيد (رحمه الله) باستجواب ضد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل العم عبدالله مشاري الروضان (رحمه الله). الجميل في هذا الاستجواب كان سلاسته، «وخفة طينته» وتجلي روح العائلة الواحدة لشعب الكويت فيه، وصفاء قلوبهم، وسلامة نواياهم، بعد أن قام النائب العم محمد الرشيد (يرحمه الله) بالإجراءات الدستورية لتقديم الاستجواب، وتحديد الجلسة البرلمانية، عندها علم الوزير العم عبدالله الروضان (يرحمه الله) بذلك، فما كان منه إلا أن اتصل بالنائب العم محمد الرشيد ذات صباح وطلب منه أن يشرب قهوته الصباحية بمكتبه بالوزارة، فلبى النائب العم محمد الرشيد الدعوة الكريمة، وما أن اجتمعا بالمكتب، ودار بينهما الحديث وكل منهما يرتشف القهوة العربية الساخنة، رفع الوزير الروضان سماعة التلفون وطلب من سكرتيره استدعاء وحضور الوكيل والوكلاء المساعدين وجميع المديرين بالوزارة، وجلسوا بقاعة الاجتماعات، وطلب الوزير الروضان من النائب الرشيد أن يلتقي بكل أركان الوزارة، المتواجدين بقاعة الاجتماع، وأن يطرح عليهم كل الأسئلة التي يريد أجوبتها، وفي الوقت ذاته طلب من الحضور (كبار موظفي الوزارة) ألا يحجبوا عنه أي معلومة، وأن يصارحوه بكل صدق وأمانة، فكان هذا اللقاء العفوي البريء بمنزلة درس ونموذج للأمانة البرلمانية، والحكومية، لم يتدخل بها مستشارون من الطرفين، كل منهم يستعرض عضلاته أمام الآخر، فيعقدون الأمور، ويثيرون الشبهات والظنون.
إن هذه المبادرة الطيبة من الوزير العم الروضان، وقبولها بروح طيبة طاهرة من النائب العم محمد الرشيد، كانت نموذجا ومنهجا للقضاء على الفاسدين والمتنفعين من الاستجوابات، كشف هذا اللقاء معدن وأصالة أهل الكويت، وصدق نواياهم، كان اجتماعا مباركا، ولقاء مثمرا بالخير، خرج بعدها النائب العم محمد أحمد الرشيد (رحمه الله) واتجه مباشرة الى مجلس الأمة وطلب من مكتب المجلس سحب استجوابه وإلغاء جلسته، نتيجة اقتناعه بما سمعه من إجابات مباشرة، وتفسير واضح من كبار موظفي الوزارة بعفويتهم، وبكلماتهم وأسلوبهم الشعبي المعتاد، هذا كان أول استجواب بحياة الديموقراطية الكويتية، وكنا نظن ان هذا النموذج لن يتكرر، ولكن يقول الله سبحانه: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
واليوم نرى أبطال السلطتين التنفيذية والتشريعية يسطرون دروسا في القيادة والرقابة، فالنائبة د ..جنان بوشهري أدت عملها بكل أمانة وصدق، ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح ضرب مثلا وأرسى عرفا حين أعاد إلى الحق نصابه، وبريقه، لا تأخذه في الحق لومة لائم.