التنافس والتحدي ومحاولة إثبات الذات وأن تكون بالمقدمة، فطرة بالنفس البشرية، وشهوة يصعب التحكم بها، وسكرة تغيب العقل أحيانا.
المغامر الفرنسي جون جاك سافين مات عن عمر يناهز الـ 75 سنة، أثناء محاولته عبور المحيط بقارب بسيط.
وقالت صفحته: «لسوء الحظ، كان المحيط أقوى من صديقنا هذه المرة. لقد أحب سافين البحر كثيرا». مات أثناء المحاولة.
وكذلك الغواص نيكولاس ميفولي الذي توفي عن عمر 32 عاما بسبب رغبته في كسر الرقم القياسي، في الغوص لعمق 71 مترا دون زعانف، وبعد تحقيقه للرقم خرج إلى السطح وكان يعاني من مشكلة في رئتيه وتوفي بعدها بساعات. مات بعد تحقيق الرقم.
ونختم مع المغامر الأسترالي المعروف ستيف أورين الملقب بصائد التماسيح، مات أثناء تصويره برنامجا لابنته بيندي لزيادة عدد المشاهدات، فغرزت لخمة شوكتها في صدره أثناء التصوير. مات بسبب جرأته الزائدة.
الكثير من المغامرين والباحثين عن تحقيق الأرقام القياسية والوصول لموسوعة غينيس، ينزل عليهم الموت إما أثناء أو بعد تحقيق الإنجاز، أو بسبب الجرأة الزائدة.
هوس تحقيق الأرقام «القاتل» يكبر ويزيد مع مرور الأيام، فتجد الواحد فيهم لا يكتفي بما حققه وأنجزه من أرقام وسجلات حفرت باسمه، بل تجده يسعى للمزيد ويرغب في تسجيل أرقام جديدة أصعب وأخطر.
الهوس القاتل، انتقل لمحيطنا العربي والإسلامي، فنجد من يموت في سبيل الوصول، ونجد من حمل بنقالة إلى المستشفى وتوقف حلمه أثناء الوصول، ونجد من تفجرت أوعيته الدموية فأصبح لا يرى بعينه بشكل طبيعي بعد الوصول.
حديثي ليس دعوة لعدم الخوض في الصعوبات، والسعي لتحقيق الإنجازات، بل هي دعوة للتعقل والتفكر، قبل الإقدام على خطوة قد تودي بحياتك أو تصيبك بالإعاقة الدائمة.
يتوهم «بعض» المغامرين أن ما يقومون به هو تعويد للنفس على الصعاب، ومواجهة الشدائد حتى يكونوا على أهبة الاستعداد، حينما تنزل بهم المصائب، أو تحل عليهم نوائب الدهر، لكن الواقع على العكس من ذلك لدى «البعض» منهم.
جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإن المنبتّ لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى».
يقول ابن عثيمين: «فلا ينبغي لك أيها العبد أن تشق على نفسك وامش في أمورك رويدا رويدا»
ورد في الأثر «تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة». النعم لا تدوم ورغد العيش لن يستمر وإن طال الزمان، لكن هل المقصود بالأثر أن تشقي حالك، وتهلك نفسك، لهدف تحقيق رقم قياسي جديد، أو لزيادة عدد المتابعين، أو لتحقيق مجد وهمي هلامي لا طائل منه ولا فائدة.
إن المقصود بالاخشوشان هو أن تجعل نمط حياتك وطريقة عيشك فيها تقشف من غير تقتير، وفيها إمساك من غير بخل. أن تعيش حياة معتدلة لا إسراف فيها ولا تبذير، أن تعطي وتساعد وتقدم الخير للغير ولو على حساب نفسك، أن تبتعد عن المظاهر الخداعة، أن تكون هينا مع الناس، ولينا مع البشر، أن تكون صادقا مع نفسك أولا ومع الناس ثانيا.
