جولاتنا الخيرية.. مأوى للإنسانية – بقلم : عبدالله الشّهاب
يصعب تصور حياة الإنسان دون مأوى ملائم، يجد فيه الملاذ والحماية، ولقد عرف الإنسان في قديمه وحديثه أهمية هذا المطلب العزيز، منذ أن اتخذ الكهوف وانتهى بالقصور، ولقد تفنن البشر طوال تاريخهم الممتد في حشد إمكاناتهم، لتهيئة مساكنهم، وتزويدها بمختلف أدوات الراحة التي تقيهم عاديات الطبيعة، وتحميهم تقلباتها.
حقا، فالحاجة للمسكن لا تقل عن الحاجة إلى المطعم والمشرب، إن لم تفقهما أهمية وضرورة، فبهذه المقومات يستقيم معاش بني آدم، حتى وإن تباينت مظاهره، واختلفت أشكاله من مجتمع لآخر، فقرا وغنى، دعونا نتفق على أن المسكن هو عنوان لا يخطئ لطبائع أي مجتمع، يقرأ به واقعه، ويقاس تحضره، وتقاس به معدلات واقعه المعيشي، ونظرة لواقع الإنسان المعذب في بقعة شاسعة من العالم، خاصة تلك الدول الفقيرة، تطالعك الصورة قاتمة لحال الملايين، ممن حرموا نعمة المسكن اللائق، فترى الأسر وقد التحفت السماء وافترشت الغبراء، يلوكون الصبر، طامحين في أمان باهتة لأن تمتد نحوهم يد العناية، فتزيل ما هم فيه من شقاء.
وفي سياق حربها على هذا البؤس الإنساني، دعت المنظمات الأممية، والهيئات الخيرية والإغاثية، والكويتية في طليعتها، لإزالة آثاره، وكشف غمته، فتبارت جادة في تهيئة الوحدات السكنية التي تتمتع بقدر محترم من الرفاهية، التي تحفظ لهؤلاء آدميتهم، وتهبهم قدرا من الكرامة التي يستحقها إنسان، وسارت تضيء في نفوسهم الأمل المستقبل الآمن بعد إذ أفل أو كاد.
ولعل هذا ما حدا الكيانات الخيرية الكويتية إلى أن تلقي بظلال كثيفة في هذا المعترك الإنساني الحيوي، فكانت تحركاتها وجولاتها المباركة، وتوجهاتها السامية، وتسابقها في مشاريع إنشاء المجتمعات السكنية والمجهزة على أعلى مستوى من الكماليات، طوق النجاة في كثير من دول العالم، يؤوي إليها كل شريد، ويستظل بها كل طريد، تشهد على ذلك صحارى أفريقيا المحرقة التي احتضنت آلاف الوحدات السكنية، وكذا إعادة إعمار البيوت المتهالكة للفقراء والمحتاجين، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، والأميز في هذا الجهد الخيري نفيه عن نفسه خصائص العشوائية، فهذه الوثبات الطموحة جاءت بعد دراسة واقعية مستفيضة، فها هي تطوف الأرض ليل نهار تبحث عن الحالات المستحقة التي كان عنصر الأولوية فيها هو المتغلب وتحشد من التبرعات السخية ما يكفيها، عبر التحرك الفعال والنشط للشركاء على الأرض الذين تستعين بهم في تلك المناطق، والذين يسند إليهم تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة متناهية، وفق رؤية مشتركة ناجحة ومستمرة في المستقبل إن شاء الله.
لقد اشتبكت أحلام الخير التي تقودها الكويت بقاطرتها، مع الواقع المتردي على الأرض في مجابهة صريحة، أنقذت الآلاف من أهوال مصير مجهول،… وقد طالعتنا الأخبار مؤخرا أن جمعية النجاة الخيرية الكويتية لديها مشروع يسمى «المساعدات الإنسانية في مجال الإسكان» استفاد منه آلاف المحتاجين داخل الكويت وخارجها، وهذا ما يحمد خاصة في المناطق الأكثر فقرا حول العالم، كتلك التي ذاقت وبال الكوارث الطبيعية، أو النزاعات الإقليمية، فكانت بردا وسلاما، والحق أقول، فقد بشرت هذه المسيرة بملامحها الإنسانية الطمأنينة بمستقبل أكثر سعادة فانهالت الشهادات الأممية التي تبارك هذا المسلك، وارتفعت الأيادي وتسارعت الألسن تلهج بالدعاء للكويت، تثمن إنسانيتها قيادة وحكومة وشعبا ومؤسسات خيرية، وقد كان كل هذا دافعا أكيدا، يزيد من عزم الأيادي الخيرة الممتدة بالعطاء، كي تمضي تضاعف من جهدها، وتنشئ مشاريع رائدة تؤوي إليها الإنسانية المشردة.