كتمان السر؟! «من أنبل الصفات» – بقلم : معاذ عيسى العصفور
النفس البشرية جبلت على حب سماع الجانب المخفي من كل قصة وكل حكاية، الجانب الظاهر مزهود فيه لأنه مبذول وعرفه العامة قبل الخاصة، فلذلك لا يثير شغف المستمع والمتلقي، أما الجانب المخفي من القصة والذي يحتوي بالتأكيد على ما يرضي غرور ويشبع فضول ويسكن نهم المتلقي، هذا الجانب هو المطلوب والمنشود لدى أغلب البشر، فكل ما هو مخفي يلمع من بعيد.
لذلك كانت هناك فضلية كبيرة، وخاصية عظيمة، لمن اتصف بهذه الصفة، وتخلق بهذا الخلق، وأشهر من اتصف بهذه الصفة الكريمة من لقب «حافظ سر النبي صلى الله عليه وسلم»، الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء جميع المنافقين ولم يفش هذا السر لأحد، إلا للخليفة الثاني عمر بن الخطاب حين حضرته الوفاة.
في كتمان السر فضيلة كبيرة، ومكانة رفيعة، ومنزلة عالية، لمن يستطيع أن يتحكم بنفسه، ويضبط شهواته، ويسيطر على نوازعه الداخلية في «الإفشاء».
قيل إن الهموم ثقيلة على القلب والروح، والجروح مؤلمة للجسد والبدن، وحفظ السر ثقيل على الصدر واللسان.
ذكر في كتاب أدب الدنيا والدين، للماوردي، أنه يجب أن تتوافر في الشخص الذي يؤتمن على السر بعض الصفات وذكر منها: «أن يكون ذا عقل صادق، ودين حاجز، ونصح مبذول، وود موفور، وأن يكون كتوما». وذيّل كلامه بأن هذه الصفات تمنع من الإذاعة، وتوجب حفظ الأمانة.
كتمان السر وصونه، فيه تقوية للعلاقة بين الأصحاب، ودرء للحسد والحقد بين الأصدقاء، وتقضى فيه الحوائج، وتنجز فيه المهام، ويستراح من أذى الناس، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود». (حديث في إسناده نظر).
حينما يثق بك محزون، ويبوح لك مكلوم، ويستشيرك مهموم، عليك أن تكون أهلا لهذه الثقة، وكفؤا لهذا الاختيار.
قليل هم الأشخاص الذين يلجأ إليهم أحدنا لإفشاء سره، والتحدث بمكنون صدره، فلتكن أهلا لهذا الإيلاء، ومحل ثقة من طرف هؤلاء.