أكاد أجزم بأنه لا يرجى خير لأمة من الأمم بغير تعميم روح التكافل بين أبنائها، وإشاعة شعائر التراحم بين مكوناتها، وترجمة ذلك لا تكون بغير حمل الموسر على الإنفاق في وجوه البر والإحسان، وكفالة أصحاب الحاجات خاصة أوقات النوازل، وحين يجد الجد، وفي هذا ولا ريب، تعزيز صريح لمعاني الحب والتآلف، ودعم التواصل، حين يعرف غنيهم فقيرهم فيغرقه عطفا وحنانا، ويقدر فقيرهم لغنيهم ما قدم، فتستشري بذلك الطمأنينة، ويعم السلام، ويدرك الفقير أنه لايزال في الإنسانية بقية من خير.
وإن مما تدمع له العين، وتنفطر له القلوب، وتهيج به المهج، ما يمر به المغرب الشقيق وأهله من مصاب جلل، حل بربوعه الآمنة فعكر صفوها، حين استيقظ مفزوعا على وقع زلزال مروع، نال من سكينته، وعبث بأمنه، وذاق الناس معه ويلات الخوف والفزع، وتعرضت الممتلكات العامة والخاصة للدمار، بصورة تبعث على الألم والحسرة، تطالعنا بها وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية العالمية، التي ترصد وتحلل على مدار الساعة تداعيات الفاجعة، وما نجم عنها من خسائر لا تعوض في الأرواح، فمئات القتلى، وآلاف الجرحى، وأضعافهم من المشردين المنبوذين بالعراء في ليل مدلهم طويل، ينتظرون فيه الفرج بعد الشدة.
لقد توالت ومنذ الساعات الأولى للمصاب النداءات، وتصاعدت الاستغاثات ترسلها حناجر الثكلى، وأنين الجرحى، ويغلفها قهر المكلومين الذين فقدوا في لحظات عوائلهم تحت الركام لا يعرف مصيرهم ولا أعدادهم حتى الآن، تتطاير في الأفق الملبد بالحزن نيران اللهيب تصطلي به أكباد أهل الرحمة تستنجد فيهم النخوة ان هبوا لنجدتنا.
أيها الإخوة إن لنا إخوة في المغرب الحبيب في أحوج ما يكون لصنوف الدعم والمساندة، إن أطفال المغرب الرضع بحاجة لما يملأ بطونهم الخاوية، إن آلاف الأسر في المغرب قد فقدت العائل والسند، فأصبحوا بعد أمن في مفترق الطرق، تتخطفهم أشباح الحاجة لمصير مجهول ينتظرهم، إن آلاف الجرحى في هذه الساعة في احتياج لمن يداوي جراحهم، إن البنى التحتية لمئات المستشفيات، والمدارس والمخابز ومحطات الكهرباء والمياه، والهيئات الخدمية قد تضررت أشد الضرر، تحتاج إلى إعادة تأهيل، حتى تعود كما كانت تفي باحتياجات الفقراء والضعفاء والمحتاجين، إن تحت الأنقاض، وبين جبال الركام إخوة لنا لا يعرف مصيرهم، يبحثون عن مخرج، عن طوق نجاة، عن متنفس للحياة، يحتاجون إلى يد حانية تنبش الأرض تنتشلهم، إن في المغرب عشرات المدن تحتاج الى خطوط إمداد عاجل من السلع والمستلزمات الإنسانية، تعوض النقص الحاد الذي سببه الزلزال، إن الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية التي أذهلتها الكارثة فأعجزتها، في سباق محموم مع الزمن، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فهل نحن على استعداد للنجدة؟
ومن هنا الكويت تتجدد دعواتها الإنسانية تحملها الجمعيات الخيرية ومبرات النفع العام، ليكونوا في طليعة الصفوف، ليواسوا إخوانهم، ويؤدوا حق الإنسانية والدين والعروبة، وقد كان، ولله الحمد، للفزعة الكويتية صداها الطيب منذ أن تصاعدت أنباء الكارثة، فموقف الكويت المشرف – كعادتها – قيادة وحكومة ومؤسسات خيرية، وفزعة شعبية أصيلة، تضرب أروع الأمثلة على القيم النبيلة لشعبنا، وتؤكد رسالة قيادتنا الحكيمة وتكرس دورها المؤثر على الصعيدين الإقليمي والدولي، الذي لا يتخلى أبدا عن بذل ما تستطيع من مساعدة للإخوة والأصدقاء وقت الضيق، وتكليفها المباشر بضرورة إطلاق النفير العام للتحرك العاجل والفعال لإغاثة المتضررين، إن طواقمنا الخيرية المميزة تستعد لتخوض الآن معركة من نوع خاص، معركة من أنبل، بل أشرف المعارك على أرض المغرب الشقيق، حين أعطت قيادتنا الخيرية إشارة البدء لانطلاقها على بركة الله، لتقدم المعونة لإخوتنا، علاوة على شحذ الهمم المملوءة بالخير والعطاء، كي يكون لأهل الكويت كلمتهم الفصل، وأنا على يقين تام بأن شعبنا الكريم قادر على أن يقود هذه الفزعة عن جدارة، ويعطي الدرس تلو الدرس في التضحية والعطاء.
