رسالة إلى والدي – بقلم : مزيد مبارك المعوشرجي
أخبرني أحد أبناء عم والدي رواية لم أسمعها منه يوما أنه عندما كان في عمر المراهقة كاد يموت من الغرق في «دردور»، ولولا رحمة الله ومن ثم إنقاذ والدي له الذي غاص من تحته ليرفعه من عمق الماء، وقال له بعدها: هل أنت مجنون؟! كيف عرضت نفسك للخطر وغصت تحتي لإنقاذي! رد عليه والدي: ما فكرت في نفسي.. فكرت في والدتك.. خفت لا تموت من الحرة عليك.
أكتب هذه المقالة وأنا محاط بأصدقاء ومحبي والدي مبارك مزيد المعوشرجي في اليوم الثاني والستين لوجوده في غرفته بمستشفى حسين مكي جمعة وحولي يتوافد يوميا محبوه وأصدقاؤه للحضور والاتصال عليه، الأستاذ والمعلم والأب الذي أفتخر به وتعلمت منه الكثير والكثير وأفتخر بعلاقة الصداقة الوطيدة بيننا، ولكن بعد كل هذه السنين لم أكن أعلم الجوانب الخفية لهذا الرجل وعطاءه إلا بعد أن أجبره المرض على الجلوس في السرير لمدة طويلة، حيث ليده الكريمة بالعطاء الذي امتد الى خارج الكويت، وارتباطه الوثيق ووصوله لأرحامه، من دون أي تكلف، كرس حياته كلها لرعاية الآخرين على حساب نفسه، تعلمنا منه الولاء والإخلاص للوطن واحترام رموزه، أبى أن يخرج وقت الغزو العراقي على الكويت وكان له دور في جمع الشمل داخل منطقة مشرف وداخل العائلة، حيث كان منزله ملاذا للعديد من العوائل ودار رعاية لكبار السن من العائلة، بل ومن قبل الغزو فتح (فرية) من سور منزله وفتح بابه ليكون الوريد لصلة أحد كبار السن من الأرحام لكي يتسنى لأقربائها الوصول لها بعد أن تخلف المسؤول عنها عن أداء واجبه من منزله، من دون أي منة منه أو ادعاء الفضل على ذلك، سأله أحد إخواني بعد كل تلك السنوات.. لماذا قمت بذلك؟ ألا تعلم ان ذلك أثر على طفولتنا؟ فقد كنا لا نسافر طويلا او نخرج كالآخرين في تلك السنوات لأن منزلنا أصبح كدار رعاية لكبار السن من العائلة ومزار خاص ودائم ومستباح 24 ساعة لزوارهم.. «وترى محد راح يقدر ذلك بعد ما يموتون!»، رد عليه والدي: لم أقم بذلك لإرضاء أحد أو إجبار او انتظار رد الجميل من أحد، لقد قمت بذلك إرضاء لوجه الله.
فلم تعرف نفسه الكبر رغم كبر مقامه، أو المنة يوما على أحد رغم سخاء كرمه على الجميع، فعند الفرح هو اول من يقدم العطايا والعزائم والولائم للاحتفال للبعيد قبل القريب في ديوانه المفتوح كل ثلاثاء منذ أكثر من 40 سنة، ورواد المسجد القريب من منزله، وعند الحزن أول من يقوم بأداء الواجب ويكون السند للمحزون، كان ظهرا وسندا لكل من يعرفه وأداة الوصل للعائلة، وكان خير مثال للرجل المتدين باعتدال، وخير من يؤدي صلة الرحم كعبادة، وان الأقربين أولى بالمعروف، ولم تعرف نفسه الحسد أو الغل على أحد وكان مثالا للتواضع والعفو عند المقدرة، تحمل الكثير خلال آخر 4 سنوات ولعل وفاة الوالدة في سبتمبر من العام الماضي أكبر ألم تحملناه جميعا، أكتب هذه المقالة وأنا بجانبه في المستشفى وحوله كل يوم الأوفياء من محبيه وأصدقائه وأهله، وكأنه يجني ثمار ما قام به من خير طوال سنوات حياته، داعيا المولى عز وجل له بالشفاء والرحمة والأجر الجزيل وطول العمر، وأقول له: باسم كل اخواني اننا نحبك يا أبي ونفتخر بك ونقدر كل ما قدمت من تضحيات.