المعلم المتقاعد – بقلم : محمد العويصي
دخل القاعة لحضور حفل تكريمه، إثر زيارته الى بلده بعد غياب دام أكثر من 15 عاما وقد اصبح كبير استشاريي أمراض القلب في المستشفى الملكي بلندن.
وعند مدخل القاعة استوقفه منظر بائع جرائد كبير السن مفترشا جرائده على الرصيف، أغلق الطبيب عينيه ثم سرعان ما فتحهما، فتذكر ملامح هذا الرجل العجوز المحفورة في ذهنه، وجرجر نفسه ودخل القاعة ثم جلس، غير أن ذهنه بقي مع بائع الجرائد، وعندما نودي على اسمه، لدى حلول فقرة تقليده وسام الإبداع، قام من مكانه ولم يتوجه الى المنصة بل توجه الى خارج القاعة، فراح الكل ينظر في ذهول، أما هو فقد اقترب من بائع الجرائد وتناول يده، فسحب البائع يده، وقد فوجئ وقال: «عوفني يا ابني ما راح أبيع جرائد مرة أخرى» رد عليه بصوت مخنوق انت أصلا ما راح تبيع جرائد مرة أخرى.
أرجوك بس تعال معي شوي. ظل البائع يقاوم والدكتور يمسك يده وهو يقوده الى داخل القاعة، تخلى البائع عن المقاومة، وهو يرى عيون الدكتور تفيض بالدموع وقال مالك يا ابني؟ لم يتكلم الدكتور وواصل طريقه الى المنصة، وهو يمسك بيد بائع الجرائد والكل ينظر إليه في دهشة، ثم انخرط في موجة بكاء حادة، وأخذ يعانق بائع الجرائد ويقبل رأسه ويده، ويقول: انت ما عرفتني يا استاذي؟ قال لا والله يا ابني العتب على النظر، فرد الدكتور وهو يمسح دموعه، كنت انا تلميذك في المرحلة الاعدادية، لقد كنت الأول دائما، وكنت أنت من يشجعني ويتابعني سنة 1966، نظر الرجل الى الدكتور واحتضنه، فتناول الدكتور الوسام وقلده للأستاذ، وقال للحضور: هؤلاء هم من يستحقون التكريم، والله ما ضعنا ولا تخلفنا ولا جهلنا إلا بعد إذلالنا لهم وإضاعة حقوقهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بمقامهم وبرسالتهم السامية.
موقف رائع وجميل من قبل الطبيب العالمي وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على وفائه وإخلاصه لمعلمه القديم، في زمن قل فيه الوفاء وأصبح عملة نادرة، خاصة للفئة المنسية التي أفنت زهرة شبابها في خدمة وتعليم وتربية أبناء الوطن اجيال المستقبل.
حقيقة، لا أدري ما سبب تجاهلنا وعدم اهتمامنا بالمعلمين المتقاعدين، وعدم الاستفادة من علمهم وتجاربهم وخبراتهم الطويلة في التعليم.
لذا أناشد وزير التعليم الموقر، الدكتور الفاضل عادل المانع، الاستفادة من علم وتجارب وخبرات المعلمين المتقاعدين، والسماح لهم بمزاولة العمل بنظام المكافأة في مدارس وزارة التربية.
اقرأ واتعظ: «تقدير المعلم أغلى جائزة يطمح إليها».
«الإنسان من دون وفاء وإخلاص، للأسف الشديد، جسم بلا قلب».