«طوفان الأقصى» يُعيد رسم ساحة المعركة والحرب تحتدم
لن يكون ما بعد 7 أكتوبر 2023 كما قبله في الأراضي المحتلة وإسرائيل، اذ وفضلا عن العدد الكبير من القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين الذين أوقعهم «طوفان الأقصى»، أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه قرر إخلاء 25 مستوطنة وكيبوتس في منطقة غلاف غزة خلال 24 ساعة، لأول مرة. وقال المتحدث باسم الجيش دانيال هغاري للصحافيين إن «مهمتنا هي إجلاء جميع سكان غلاف غزة» التي تحولت إلى ثكنة عسكرية محصنة بعد ان أرسلت إسرائيل مئات الآليات والنظم الصاروخية اضافة إلى عشرات الآلاف من الجنود، ما يوحي بأنها ستتحول إلى ساحة معركة.
وأفاد مساء أمس بأن «العدو لايزال على الأرض»، مضيفا «نعزز قواتنا، خصوصا بالقرب من غزة ونقوم بتطهير المنطقة».
وأشار المتحدث باسمه إلى أن غارات الجيش «أصابت 800 هدف في غزة».
وصادق المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابنيت) برئاسة بنيامين نتنياهو أمس على قرار إعلان «حالة الحرب» للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 قبل خمسين عاما، وقال نتنياهو إن الزعماء الذين تحدث إليهم عبروا عن دعمهم الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها «مهما تطلب الأمر»، الأمر الذي ينبئ باحتمال أن يطول أمد الحرب وسط مخاوف من اندلاع حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط.
ورغـــم أن الجـيــــش الإسرائيلي، الذي يواجه استياء داخليا عارما لإخفاقه في توقع أو حتى وقف الهجوم بعد أكثر من يوم، أعلن انه استعاد السيطرة على أغلب النقاط التي تسلل إليها المقاومون الفلسطينيون، استمر القتال جنوب اسرائيل، وخاض مقاتلو كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحماس، «اشتباكات ضارية» مع قوات الاحتلال في عدة مناطق واجتاحوا مواقع عسكرية جديدة أمس، وطلب من سكان عدة مدن البقاء في منازلهم.
وفيما يحاول الإسرائيليون استيعاب الصدمة ومشهد الدماء والجثث الملقاة في الشوارع والسيارات والمنازل، ذكرت تقارير محطات التلفزيون الإسرائيلي أن مسلحي حركة حماس قتلوا ما لا يقل عن 6٦0 إسرائيليا وأوقعوا اكثر من 2000 مصاب من بينهم ضباط كبار، وتحصن إسرائيليون أصابهم الفزع في الغرف المحصنة والمخابئ وتحدثوا عن محنتهم عبر الهاتف لقنوات تلفزيونية غطت الأحداث تغطية حية.
وأطلقت حماس المزيد من زخات الصواريخ صوب إسرائيل أمس، ودوت صفارات الإنذار في أنحاء جنوب إسرائيل، وقال المتحدث باسم حماس عبداللطيف القانوع ان «المقاومة في قطاع غزة تواصل ضرباتها وإطلاق رشقاتها المركزة وعملياتها النوعية خلف الخطوط في إطار معركة طوفان الأقصى دفاعا عن شعبنا وانتصارا لأقصانا».
وكشفت كتائب «القسام» المزيد من تفاصيل الهجوم، وقالت إن 5 زوارق محملة بمقاتلي الكوماندوز البحري القسامي شاركت في اللحظات الأولى من معركة «طوفان الأقصى»، وتمكنوا من السيطرة على عدة مناطق، وأشارت إلى أن عددا منهم واصل القتال حتى ظهر أمس، كما كشفت الكتائب ان سلاح الجو التابع لها قام بالانقضاض على مواقع العدو وأهدافه بـ 35 مسيرة انتحارية من طراز «الزواري» في جميع محاور القتال. وشكل هجوم «حماس» أكبر توغل في إسرائيل وأسقط أكبر عدد من القتلى والمصابين والأسرى في يوم واحد منذ أن شنت مصر وسورية هجوما مفاجئا في «يوم الغفران» في حرب عام 1973.
وتمكن عدد من مقاتلي كتائب «القسام» من العودة إلى قطاع غزة ومعهم عشرات الأسرى من المدنيين والعسكريين، وجاء أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين الذين تم تصوير بعضهم أثناء اقتيادهم أو جرهم وهم ينزفون عبر نقاط التفتيش الأمنية إلى قطاع غزة، ليزيد من تعقيدات الموقف المتأزم الذي يواجه نتنياهو.
ونقلت قناة «العربية» عن وسائل إعلام إسرائيلية ان مصدرا سياسيا مطلعا أفاد بأن القاهرة تجري مفاوضات مع «حماس» من أجل إطلاق سراح الإسرائيليين، الذين اقتيدوا إلى قطاع غزة. وأوضح المصدر ذاته أن المباحثات تتركز على كبار السن والأطفال في الوقت الحالي.
إلا أن أي تصريح رسمي في هذا الإطار لم يصدر بعد عن السلطات المصرية، التي دعت أمس الأول إلى التهدئة وخفض التصعيد، مؤكدة العمل على هذا الهدف.
في المقابل، لم تتوقف الضربات الجوية الإسرائيلية والقصف العنيف على أبراج سكنية وأنفاق ومساجد ومنازل لقادة في حماس في قطاع غزة وهي هجمات أسفرت عن مقتل أكثر من 370 مدنيا من بينهم 20 طفلا، فضلا عن نحو 2000 جريح.
وفرغت شوارع غزة من المارة باستثناء المئات ممن اصطفوا أمام الأفران للحصول على الخبز على وقع أصوات الانفجارات. وقطعت الكهرباء عن القطاع كما انقطع الإنترنت عن العديد من الأحياء.
وقال متحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن «44 مدرسة تابعة للأونروا استضافت أكثر من 20 ألف نازح» وأن العدد قابل للزيادة.
وذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الحكومة الأمنية المصغرة وافقت على اتخاذ خطوات لتدمير القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي «لسنوات عديدة» بما يشمل قطع إمدادات الكهرباء والوقود ودخول البضائع إلى غزة. وتصاعد دخان أسود وألسنة لهب في سماء القطاع بسبب ضربات إسرائيلية، وأمكن سماع أزيز طائرات إسرائيلية مسيرة تحلق في المنطقة، وتم نقل القتلى والجرحى في قطاع غزة إلى مستشفيات متهالكة ومكتظة في ظل نقص حاد في الإمدادات والمعدات الطبية.
وعلى خلاف بعض الضربات في جولات تصعيد سابقة، لم يصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرا مسبقا قبل ضرب بنايات سكنية.
وفي مخيم لاجئين في وسط غزة، أزال جيران الحطام بأيديهم لانتشال جثث سبعة من أسرة واحدة من بينهم خمسة أطفال تعرض منزلهم للقصف.
«الخارجية الإسرائيلية» لسفرائها حول العالم: ابقوا في منازلكم
قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن وزارة الخارجية أعلنت حالة التأهب القصوى في جميع السفارات الإسرائيلية في العالم بسبب التصعيد في غزة. وأفادت بأن تعليمات وجهت لجميع السفراء الإسرائيليين في العالم بعدم الخروج من المنزل.
وعززت العديد من دول العالم إجراءات الأمن حول المعابد والمدارس والمعالم الأثرية اليهودية.
وشددت ألمانيا في حماية الشرطة للمؤسسات اليهودية والإسرائيلية، وقالت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، لصحيفة «بيلد»: «في برلين تم تعزيز حماية الشرطة على الفور. إن الحكومة الفيدرالية والأقاليم تنسق أعمالها بشكل وثيق».
من جهتها، ركزت فرنسا جهودها على حماية المعابد والمدارس اليهودية في جميع مدن البلاد، حيث أعرب أحد الزعماء اليهود عن قلقه من «احتمال انتقال النزاع».
وأرسل وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، رسالة عاجلة إلى مسؤولي المناطق، يطلب منهم تعزيز المراقبة بشكل أكبر.
بدوره، أفاد جهاز شرطة لندن، أنه كثف الدوريات في أنحاء العاصمة البريطانية بعد «عدة حوادث.. على صلة بالنزاع المتواصل في إسرائيل وعند حدود غزة».