ما بين العاصفة… والطوفان – بقلم : سالم السبيعي
من عايش آلام فلسطين والفلسطينيين وعايش الأحداث في الشرق الاوسط يرى العجب، هذه الأرض التي كانت جزءا من بلاد الشام، ذات الحضارات العريقة المتتالية، والتواجد البشري الذي لم ينقطع، زادتها وشرفتها بركة ربانية (المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)، أرض مباركة وشعب جبار، كما وصفهم القرآن (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين).
بعد الحربين العالميتين اختفت قوى وبرزت قوى أخرى، تقاسموا الغنائم بينهم، فأعطى من لا يملك (بلفور) من لا يستحق.. حولوا فلسطين من وطن إلى قضية، يتكالب عليها المحامون الفاشلون،
فأصــبحت كاليتيمة تكفلتها الأردن، ثــم النهج القومي الناصري، ثم المد البعثي بفرعيه السوري والعـراقي، ثم الاسلامي الايراني، فضاعت هويتها، وانحرف مسارها، وتناثرت قواها وتشرذم شعبها الى احزاب.
لكن روح الوطن تنبض بعروق شبابها، ففي بداية الستينيات تواصل أفراد منهم كانوا يعملون بالكويت فأنشأوا حركة تحرير فلسطين (فتح) وانبثق منها «العاصفة» وهي جناح عسكري يقاوم بالسلاح ويعتمد مبدأ «اضرب واهرب»، فلاقت اعجاب العرب، فقرر مؤتمر القمة العربي إنشاء مكون يجمع الفلسطينيين فكانت منظمة التحرير الفلسطينية، أخذت وضعها ولكن مالبثوا أن دب بينهم الخلاف، وذلك أنه كان منهم من يفضل المخ فيما آخرون يرشحون اللجوء إلى العضلات، فانحرفت بوصلتهم، فظهر خطف الطائرات والتفجيرات والاغتيالات خارج فلسطين مما أساء للقضية وأفقدها الكثير من مؤيديها.
بعد كل ما سبق رأت مجموعة أخرى من الفلسطينيين أن تغير كل شيء وتسلك طريقا آخر، لعل وعسى فكانت حركة حماس وغيرها، فسحبوا ملف القضية من المحيط العربي واستعانوا بمحيط غيره، ظنا منهم انه الأفضل، وصدقوا «أن الليث يبتسم» وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا
وحتى أكون منصفا فإن «طوفان الأقصى» قلب المعادلات المعتادة فبعد ان كان الفلسطيني دائما ينتظر أشقاءه العرب أن يبادروا ثم يتبعهم، أصبح هو المبادر والمفاجئ في هذا الطوفان، وكانت مفاجأة على مستوى، أذهلت العالم قبل العدو، باختيار الزمان والمكان والوسائل والترتيب، ولكن… لكل شيء إذا ما تم نقصان، فلو لم يتم تصوير الأحداث لكان أفضل.
فقد استغلت الصور ضد أبطالها، ونسأل الله أن تكون الآثار الجانبية لهذا الطوفان أقل تكلفة وأن يستوعب العدو الدرس بأن للصبر حدودا، وان يتقي شر من فقد كل شيء، ويطلب الشهادة ويحبها، كما يحب العدو الحياة، وليعلم العدو أن كل شهيد وراءه منتقمون سيأخذون بثأره ولو بعد حين. وأن الحق لا يموت.
نسأل الله العظيم أن يحفظ فلسطين وغزة وأهلها ويحميهم من شرور الأعداء.
s.sbe@hotmail.com