تاقت نفوسنا – بقلم : معاذ عيسى العصفور
بقلم : معاذ عيسى العصفور
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى» رواه البخاري ومسلم.
بعد أن تجاوز العمر الأربعين، وأكرمنا الله عز وجل بزيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي مرات عديدة، ورأينا الكعبة المشرفة، وسعينا بين الصفا والمروة، وصلينا بالروضة الشريفة، وسلمنا على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وشربنا من ماء زمزم حتى ارتوينا، تاقت نفوسنا لزيارة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى حرره الله من اليهود.
علاقة المسلمين بالمسجد الأقصى علاقة أبدية سرمدية، فمن منا لا يرغب بالصلاة فيه؟ ومن منا لا يتمنى بذل روحه رخيصة في سبيل خلاصه؟ ومن منا لا يتمنى أن يتحقق هذا الأمر بحياته؟
المسجد الأقصى هو صراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والضياء والظلمة، فحبه إيمان، والتضحية من أجله عقيدة، وبذل الغالي والنفيس لأجل تحريره واجب على كل مسلم.
رأينا قبل أيام قليلة أحد فصول الصراع المتجدد بين الفصائل الفلسطينية واليهود، ولكنه مختلف عما سبقه من فصول، حيث كانت العملية من الضخامة والقيمة ما تجعل ما سيحدث بعدها مختلفا عن سابقاتها من أحداث وفصول.
سيكتب التاريخ من جديد، وسينثر الحبر على ورقات بيض، ليسطر ويفرد فيه ما يستحق أن يكتب من فصول بمداد حبر أحمر قان.
أصداء عملية «طوفان الأقصى» كانت كبيرة وعلى نطاق واسع، حيث حركت هذه العملية العالم كله، فمن فرحان مستبشر بموعود الله عز وجل بالنصر القادم، ومن شاجب مستنكر ومؤيد لتطويق الشعب الأعزل بـ «غزة».
لم نعش الحروب السابقة مع الكيان الصهيوني، كحرب 1967 أيام جمال عبدالناصر، وحرب 1973 أيام محمد أنور السادات، ولم نعش الصراعات الكبيرة والعنيفة بين رموز المقاومة وبين هذا الكيان الغاصب، ولكن قرأنا عنها بالكتب، وسمعنا عنها بالإذاعات، وشاهدناها بالوثائقيات، الصراع يتجدد والغلبة تميل وترجح، فكما نعلم أن للباطل صولة وجولة وللحق صولات وجولات.
الهزيمة والنصر الآني لا تغير المعادلة، فالحق لا يصير باطلا وإن شوه وغبش عليه، والباطل لا يصير حقا وإن جمّل ولمّع.
النصر للمسلمين سيأتي لا محالة ولكن لمن سيأتي، القائد صلاح الدين الأيوبي لما تحقق له النصر على الصليبيين وحرر المسجد الأقصى منهم، كان النصر والتمكين على مراحل عدة، أولها تمهيد نور الدين الزنكي له، وثانيها تفرده بالملك وإنهاء الدولة الفاطمية عام 576هـ الموافق 1171م، وثالثها قضاؤه على المنافسين والمناوئين له من ورثة أبناء نور الدين الزنكي الذين كانت لهم أطماع بالسلطة، وأخيرا وليس آخرا أرجع الناس إلى الدين الصحيح، فخشعت القلوب، وخضعت الأجساد، وأقيمت الصلوات ولجأ الناس إلى رب البريات، فتحقق النصر له وخلد اسمه بالتاريخ.
ونقل لنا عن حروب 1967 و1973 أن الأولى كان الاعتداد بالنفس فيها كبير وصوت الغناء كان يعلو، فمنوا بهزيمة ساحقة. والثانية كان الالتجاء إلى الله فيها أكبر وكان صوت الأذان يصدح بالأرجاء فكتب النصر على أيديهم.
لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولن يكتب النصر لها إلا إذا كان من يقودها صادقا مخلصا مؤمنا بالله عز وجل.
المعركة الفاصلة واقعة، والنصر قادم لا محالة، فموعود الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حينما قال: «يقاتل المسلمون اليهود، فينصرون عليهم، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي تعال فاقتله»، رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين. ولكن النصر سيكون حليف من، والعزة تكون لمن.
لكم تاقت نفسي وأعلم أنها تاقت نفوسكم لذلك النصر والتمكين، ولكن النصر لا يأتي فجأة بل تسبقه خطوات، ولعل ما يجري من أحداث جسام هو اللبنة المؤثرة والمحركة للمياه الراكدة قبل النصر الموعودين به من قبل الله عز وجل.
asfor83@gmail.com