بيت يكتب بماء الذهب – بقلم : مشعل السعيد
هناك أبيات شعر تظل راسخة في ذاكرة الناس، لا يمكن أن تُنسى، تردد ويستشهد بها بين الفينة والأخرى رغم مرور مئات السنين عليها، ومن الأمثلة على ذلك قول أبي العتاهية:
ألا ليت الشباب يعود يوما
لأخبره بما فعل المشيب
أما بيت الشعر الذي أعنيه فهو من الأبيات التي تستحق أن تكتب بماء الذهب لما يحتويه من حكمة بالغة وقول مأثور وإيمان تام بقضاء الله وقدره، وعلى الرغم من أن الناس اختلفوا اختلافا كبيرا على صاحبه، إلا أن هذا الأمر يزيدنا إيمانا بندرته ورصانته، وبالتالي فنحن نردد هذا البيت كلما سارت أمورنا عكس ما نريد، والبيت يقول:
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغيّر الله من حال إلى حال
فعلى الرجل المؤمن بقضاء الله وقدره ألا يندم ولا يتحسر على ما فاته، وأن يترك الأمور تسير كما أراد الله تعالى لها، وألا يعترض على قضاء الله وقدره وتدبيره لأن اعتراضه لن يغير شيئا مما قضى الله أن يكون، وأن يعلم تمام العلم أن بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله الحال التي أنت عليها إلى الأحسن إن أراد، فنحن ليس لنا من الأمر شيء، وهو القائل عز من قائل (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون). وقد استهل هذا الشاعر المجيد أبياته ببيت لا يقل جمالا عما تلاه، وهو قوله:
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتنّ إلا خالي البال
وهـــذا البيت أيضا فيه دعوة إلى الإيمان الصريح بقضاء الله وقدره، فــــلن يصيبك إلا ما كتب في صحيفتك، مصداقا لقول الله تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور – الحديد: 22 – 23 )، وعلى السياق ذاته يقول ابن أبي عيينة المهلبي، كما ورد في كتاب نزهة الأبصار:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة
أبدا وما هو كائن سيكون
سيكون ما هو كائن في وقته
وأخو الجهالة متعب محزون
ودمتم سالمين.