كثيرا ما نسمع في حياتنا عن المشاحنات والخصام والقطيعة بين الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء، وحتى بين بعض الإخوة أحيانا، ولا عجب في ذلك، حيث إننا لو دققنا لوجدنا أنهم منذ البداية كانوا قد اخترقوا قاعدة المسافة الآمنة.
تلك المسافة التي قد تعتبر من أهم الأمور التي تعيد للروح وللحياة سلامها واتزانها، تلك المسافة التي هي الوقاية الضرورية من المصادمات المهلكة، كما قال د.مصطفى محمود.
فحتى في قواعد المرور توجد هناك قاعدة تسمى «المسافة الآمنة» بين المركبات، والتي تكون إجبارية وملزمة حتى تتم عملية المرور بشكل سلس وآمن.
ومع تجارب الحياة وتعدد مساراتها وظروفها، وتراكم الخبرات التي يكتسبها المرء، آمنت بأن هذه القاعدة هي من أهم القواعد التي يجب أن نتمسك بها ليس فقط في قوانين السير، بل حتى على صعيد حياتنا وعلى الصعيد الشخصي وعلى مستوى علاقاتنا مع الآخرين أيضا.
فنعم يحتاج الإنسان بلا شك إلى التواصل وتكوين علاقات، لكنه في المقابل يخاف من الأذى وكسر الخاطر والغل الذي قد ينتج عن تلك العلاقات أحيانا.
فالمسافة الآمنة بينك وبين الآخرين، والحدود التي ترسمها الأخلاق والفضيلة والمروءة هي الحصانة التي تقيك من النهايات غير المتوقعة أو النهايات الصادمة، الخاذلة.
لذلك قد وضع الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور نظرية حول تلك العلاقات تسمى بنظرية «معضلة القنفذ»، أي انه عندما تتجمع القنافذ معا من أجل الدفء في فصل الشتاء، فإن كل واحد منها قد يقوم بوخز الآخر من خلاله أشواكه، مما يضطرها إلى الابتعاد عن بعضها بعضا. لكن هذا الابتعاد سيشعرها بالبرد، فالبرد هنا سيقودها إلى بعضها مرة أخرى، ثم يحدث الشيء نفسه مرارا. وفي النهاية ستكتشف أن أفضل ما يمكن فعله هو البقاء على مسافة صغيرة من بعضها بعضا.
فإن تسمح للآخرين بأن يتحركوا وفق مسافاتهم الآمنة دون أن تتعدى على مساحتهم الخاصة سيجعلك بالمقابل تتحرك بحرية وفق مسافتك الآمنة دون أن يشوش عليك أحد أو يتسبب في مضايقتك احد.
لكن عندما يسمح المرء لنفسه بالتدخل في مسافات الآخرين، في حياتهم الخاصة، تجاربهم، قرارتهم، أوضاعهم، فهو يفتح بابا للآخرين لأن يتدخلوا في حياته ومسافاته الخاصة، هذا بعكس لو اتقن هو فن المسافات فسيحصل على علاقات مريحة ومتوازنة، خالية من الأذى الذي قد ينتج عن هذه العلاقات.
فالحياة قصيرة، لا تمضي سهلة على أحد، ولا تعرف انت ما الذي يعانيه الآخرون، قصيرة بحيث الخواطر حين تكسر لا تجبر بسهولة ولا تعود إلى ما كانت عليه، قصيرة فاحرصوا كل الحرص على ان تحافظوا على المسافة الآمنة فيما بينكم، لتمنحوا الآخرين مسافاتهم، قصيرة لا تقاطعوهم أو تبتعدوا عنهم لكن في المقابل لا تسمحوا لهم باختراق مسافاتكم.
