القرآن الكريم حبل الله المتين، وصراطه القويم، وحجته الباقية، طوق للنجاة ودستور للحياة، من تمسك به فاز ونجا، ومن حاد عنه ضل وغوى، نفحة سماوية لا يدركها إلا من تعلق قلبه بالخير، ولعل في الالتفاف في رحابه، والتعلق بأسبابه، وتربية الأمة وأجيالها على التزود من معينه، مظهر من مظاهر عزتها وقوتها، والمتأمل في تاريخ الكويت قديمه وحديثه، يشهد اهتماما خاصا بالقرآن الكريم وأهله، حرصت خلاله على تأدية قسطها رعاية واهتماما، عندما أدرك رعيلها الأول، أنه لن تنجح نهضة من النهضات، ما لم تدعم بأسباب قوية من العقيدة والخلق.
وقد حفلت المصادر التاريخية بالدور العظيم، الذي أداه أهلها في هذا المضمار الشريف، من رصدهم للأوقاف الخيرية، التي ينفق من ريعها على الكتاتيب وحلقات التحفيظ التي يقصدها الصبيان، فلم يبخل وجهاء الكويت من المحسنين، أو يضنوا بعطاياهم السخية، الأمر الذي أسهم في تعزيز أعمالها ونشر دورها مجتمعيا، ووفر لها من الكفاية والمقدرة، ما جعلها مناط الثقة ومعقد الرجاء.
ومن نعم الله تعالى على الكويت أن اتصل هذا العطاء وامتد أثره، ودلالة هذا ما عكفت عليه الكويت، وتعاقبت عليه حكوماتها، من إنشاء الهيئات المستقلة، والقطاعات المتخصصة التي تعنى بالقرآن الكريم وتيسير علومه، وبذل المساعي المشكورة، ما مكنها من خدمة كتاب الله خدمات جليلة، تكللت بطباعة المصحف الشريف، وإخراجه بالشكل اللائق والمتقن، والذي أصبح علامة فارقة ومميزة، تؤكد تفانيها في خدمة القرآن ونشره بين المسلمين، ناهيكم عن المواظبة وبصفة سنوية على إقامة المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته، وتوافد المتسابقون في مختلف فروعه ومن كافة دول العالم الإسلامي، للمشاركة والتباري في أجواء إيمانية خالصة، توليها الدولة كريم رعايتها، وتوفر لأهلها كل سبل الراحة، ما أبرز بصورة مشرفة ريادة الكويت عالميا في العمل الإسلامي واكسبها الثقل المطلوب، وجعل منها محطا لأنظار وسائل الإعلام في هذه الأنشطة النوعية.
وقد أدارت الجمعيات الخيرية وجه راحلتها صوب رعاية الوجهات القرآنية، عندما لمست مدى الحاجة لتدعيم الجانب القيمي، وتفعيل الدور الروحي لهذه المنابر في قيادة المجتمع نحو الفضيلة، والجدية في مساندة جهود الدولة، وبسط حالة عامة تتخذ من القرآن الكريم، واستقطاب أهله من الدارسين والحفاظ هدفا وغاية.
وللحق، فقد سارعت هذه الكيانات في تقديم منتجها بدرجة أكثر كفاءة، وكان لبعضها التفرد في انتهاج وسائل، وجد الجمهور أثرها الطيب في أنفسهم، فاستقبلوها بالاستحسان، وقد وعت جمعية النجاة الخيرية على الخصوص لهذه الرسالة وتمثلتها، فجاءت شراكاتها المباركة، موافقة لهذه المعاني وعلى وقعها، ومبرهنة بصدق على ما تؤمن به، فكانت إدارة شؤون القرآن الكريم «ورتل» التي أوجدتها ثمرتها المرجوة لهذا الغرض، لتمضي اكثر رسوخا، وأمضى عزما في تجسيد هذا الدور، بما نشطت له من مهام عظيمة مثلها عقد الحلقات القرآنية، واستقطاب الدارسين من مختلف الأعمار في مراكزها، وتهيئة الأجواء الدراسية الملائمة، بمعاونة نخب متخصصة من علماء القراءات، وبمناهج علمية كفيلة بإعداد شريحة من الحفظة المهرة.
إن في اهتمام النجاة بمشاريع القرآن الكريم وعدم الاكتفاء بها محليا، ووضعها على جدول أعمالها لتصديرها خارجيا، برعاية وإنشاء المراكز المهتمة بالقرآن الكريم وعلومه، وتوفير الموارد المالية، لأداء وظيفتها نوع من الوفاء للأمة تؤديه، وبقعة ضوء ترسلها مبشرة بمستقبل واعد، كفيل بتقوية الصلة بين أجيالنا وكتاب رب العالمين، ويعكس بجلاء إسهامات الكويت المميزة في هذا المجال.
واقع الأمر، إن النجاة لم تتوقف عند هذا القدر، بل تواصل حشد صور الدعم حتى مع الشركاء، للخروج بصيغ من التعاون المشترك، المرتكز على خدمة شؤون القرآن الكريم ودارسيه، وإتاحة عوائد مجدية للإنفاق على برامجه، وتلك برأيي الضمانات العملية، لتدفق هذا الخير والانتفاع به.
