الحياة أقصر من أن نجبر أنفسنا على التعامل مع أشخاص متلونين، منافقين، لطيفي المظهر، خبيثي النوايا، حاقدين، تتربع على قلوبهم الغيرة من غيرهم، اشخاص يرﺗدون ألف ﻗﻨﺎع، الحياة اقصر من أن نعاقب أنفسنا بفعل أشياء لا نحبها ولا نتقبلها، فتصبح تلك الاشياء إجبارية علينا، من ثم تتحول إلى كابوس نكرهه نسعى للتخلص منه، نتمنى بسرعة البرق تلاشيه.
والأيام تمر بسرعة كبيرة، ولا يوجد أسوأ من أن تلتفت إلى الخلف، فتجد نفسك في علاقات سامة، كاذبة، مزيفة، علاقات بها وجوه غبرة، تحاول أن تتغلغل بين أفرادها بصورتها السيئة فلا تجد إلا الطرد، فالاشخاص المتلونون، يصعب العيش او التعامل معهم، وكيف يمكن أن يكون التآلف والوداد مع إنسان كنت تظن أنه هو الدواء الشافي لجرحك، وإذا به يهوى أمامك وتنكشف حقيقته عند سقوط قناعه المختبئ خلفه.
فمن منا، لا يعاني، من أشخاص يحقدون عليه، في أي شيء، في «المكانة او المال او الأسرة او مستوى المعيشة» أو حتى على «حب الناس له» أو «الستر والصحة وراحة باله»، كلها أمور، باتت موضع حسد وحقد من البعض؟!
تجد اشخاصا ترتسم على وجوههم البسمة، لكنهم مرضى قلوب، إذا تمكنوا يروغون منك كما يروغ الثعلب، حاقدون ويكلفهم ذلك الحقد وتلك الكراهية أكثر من الحب، كونه إحساسا غير طبيعي، إحساس عكسي شبيه بحركة الأجسام ضد جاذبية الأرض.
أشخاص سرعان ما تسقط أقنعتهم وتنكشف حقيقتهم حينما تجدهم يجحدونك ويتنكرون لك، حينما يخيبون ظنك ولا يكترثون لأمرك، حينما تتوقع منهم اهتماما وتقديرا فيتجاهلونك، حينما توقعت بأنهم سندا لك فيكسرونك، حينما يهجوك اللسان الذي كنت تظن أنه لسانك، وتركلك القدم التي كنت تظن أنها معينك، حينما يجعلونك تفقد الثقة بمن هم حولك ويتغير حالك، حينما ينسون صدق مشاعرك تجاههم وينسون عطاءك الدائم ووقفاتك، وكيف لا وقد غرتهم للأسف الحياة الدنيا وغرهم يا الله طول إمهالك.
المواقف وحدها هي من تكشف الأقنعة، والتعامل هو من يكشف لك الحقيقة، ولا يسقط القناع إلا عند أصحاب النفوس الرخيصة الدنيئة، نفوس خالية من المبادئ والقيم، بنوا علاقاتهم على أهواء أنفسهم، بخلاف أصحاب المبادئ الزكية.
لذلك، كن على يقين تام بأن الشجاعة لا تكمن فقط في الاستمرار بالأشياء، بل في الانسحاب منها احيانا وتركها، الشجاعة تكمن باستئصال الحقد والكراهية من النفوس، أما الذين لا يحاولون فهم الجبناء.
انسحب، وبالأخص عندما تشعر بأنك تعطي تلك الاشياء أكثر مما يجب، وهي تعطيك أقل مما تستحق، أو تجازيك بعكس مما تتوقع فتصدم وتخذل فتتآكل روحك.
انسحب، نعم انسحب وتأكد بأن ليس كل منسحب جبانا، ولا كل ثابت شجاعا، بعض الانسحاب شجاعة، وبعض الثبات جبن، والإنسان يألف أنه فقد كما ألف أنه وجد كما قال الشاعر:
ستألف فقدان ما فقدته
كإلفك وجدان ما أنت واجد
انسحب، وتأكد أن هناك بعض العاهات لا دواء لها سوى البتر، فكن سيد نفسك واعلم أن عليك أن تختار ما يرفع ثقتك بنفسك لا ما يكسرها، ما يمكنك من أن تضيء لا ما يجعلك تخبو، ولا أخفيكم سرا أني أحترم وأحترم جدا أولئك الأشخاص الذين يملكون شجاعة مغادرة القطار ما دامت وجهته خاطئة، وآسى على أولئك الذين يستمرون وهم يعلمون أن نهاية الطريق ما هي إلا خسران، وصدمة، وخذلان.
لأن الخسران الحقيقي هو خسرانك نفسك وذاتك، وأن تمر سنين الشقاء وتكتشف بعد فوات الأوان، أنك لم تستطع الحفاظ على طيب شخصك.
