بقلم : عبدالله الشّهاب
يحتفل المجتمع الإنساني هذا الأسبوع باليوم العالمي للتطوع، والذي يوافق 5 ديسمبر من كل عام، لتعود إلينا الذكرى في هذه المرة، فتلقي بظلالها على العالم المثخن أهله بالجراح، يعم الشقاء بقاعا واسعة، وملايين جديدة تقاسي ظروفا إنسانية صعبة، لكنه يعود أكثر صلابة، وأشد عزما، وأعلى همة، وأكثر مضاء على أهمية تفعيل التعاون، ونشر التكافل، وتعزيز التقارب، وتبني القواسم المشتركة المقوية لروابط الأخوة الإنسانية، والقادرة على ملء الفراغات التي تخلفها الأزمات، فلا منزع إذن من الوحدة، التماسا لوجوه المعونة، التي تثمر للفقراء ـ ولاشك ـ أملا جديدا في الحياة.
تعود الذكرى وأعداد الفقراء والمهمشين في تضاعف مقلق، يطحنهم الجوع، ويبريهم المرض، ويفتك بهم العطش، وتحيطهم غمرات اليأس من كل جانب، ورغم ذلك فمازلت عند رأيي بأن في الأفق بارقة من أمل تومض من بعيد، تنبع من حرارة الإيمان، قوة الجلد، لأولي بقية من ذوي الهمم العالية والنفوس السامية، الذين انحازوا لقضايا الإنسانية، وهمومها الشاغلة، لذلك أثق عن ذي قبل في غد قريب أفضل.
تعود الذكرى ونفوس أبناء الكويت مشبعة ـ كعهدها ـ بفعل الخير، ناضحة بالمعروف، مستلهمة ميراثا عريقا، وإرثا عريضا من الإحسان، فاتخذوه منهاجا وغاية.
ونحن نستقرئ التاريخ لابد أن نعلم أن شعبنا العريق قد عرف العطاء، والتحم بالعمل التطوعي، وتمثل طريقه، مذ عرف أن مساعدة الناس، والأخذ بأيدي الضعيف وتقوية جانب الفقير من شعائر الدين، وضرورات الإنسانية، وواجبات الأخوة، وملامح المروءة التي هي مكون أصيل من مكوناته.
تبوأت الكويت مكانا إنسانيا ساميا بين الدول بفضل جهودها المميزة، ومشت أعمالها الخيرية والتطوعية روحا كالنسيم، توقظ من عزائم الناس تدفعهم نحو المثل، فلها في كل دولة راية، وفي كل مدينة وقرية أمارة، تخلد آثارها المنبثة في كل شبر من أرض الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فكانت حماسة العمل الخيري بمؤسساته ثابتة على المبدأ، متوثبة العزيمة، دائبة الحركة، تفتش في كل مكان عن الفقراء من أهل الحاجة فتؤازرهم في سخاء، لتنهض الإنسانية على وقعها من رقادها مع انبثاق فجر العطاء الجديد.
لقد تسابقت مؤسساتنا الخيرية المخلصة تنتزع في كل خطوة نصرا إنسانيا جديدا، يضاف لتاريخها الزاهر، وهذا موضع السمو ومظهر البراعة، فإذا لقيتها فقد لقيت الحياة.
الحقيقة المؤكدة أن كياناتنا الخيرية وهي تقوم بهذه المهام، ومع كونها أداة إعمار صالحة، تجاهد في صمت، وتكابد في صبر، وتبذل في إيثار، لكنها ورغم تلك المشاغل، أحرص على بث روحها الخيرة في شبابها، الذي استقطبته فتيا، فجعلت تغرس فيه هذه المعاني، وتربيه التربية الخيرية التطوعية التي يعرف فيها حقوق الغير فيه، ويقدر بها أبعاد المسؤولية الإنسانية والدور المجتمعي، وهذا ليس بغريب، وهو سليل المجد، وربيب المعروف، وحليف الإحسان.
لقد أدى العمل الخيري الكويتي ما عليه تجاه الدنيا، مصحوبا بهذه الروح المتأججة، يرافقه في كل خطوة تأييد المحسنين من أهل الكويت، الذين دعموا مسيرته، وانتظموا خلفه في تناغم جميل، مؤمنين بما يقدم من خدمات، وهذا ما تمثل جليا في أبهى صوره إبان الاعتداء الغاشم والعدوان البربري الذي تعرض له قطاع غزة المنكوب، وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، فكانت جمعياتنا الخيرية في مقدمة الصفوف، تزيل بمساعداتها الوفيرة عن أهلنا أكلاف الحياة، وتخفف عنهم قدر المستطاع ضربات الغدر الموجعة، وتربطهم بجسور متينة من الحياة، فأحيت في نفوسهم ميت الأمل وضائع المنى، وأشعرتهم بدفء الأخوة وحنانها، ورابطة الدين ورحمتها.
لقد كشفت أزمة غزة الراهنة والتي كانت مسرحا مفتوحا للقتل والتدمير، حجم ما يقدمه العمل الخيري ممثلا للكويت، التي تحمل صوت الضمير الإنساني اليقظ، حين تغلبت مؤسساتنا الوطنية، وفاقت غريزة حب الخير كل غريزة، فتبارت أطقمها التطوعية المعاونة تؤدي ما عليها، تستمد إلهامها من مبادئ وطنها، وقيم أمتها، وقد كانت جمعية النجاة الخيرية-وللتاريخ- في مقدمة الركب، تنقل خطاها السديدة المتزنة على ما رسمته لها حاجة الإنسانية وضروريات الأزمة، تجدد للأخوة العهد، وتؤكد لأصدقائها الوعد.
على الحدود تصطف قوافل النجاة محملة بالمساعدات من أبنائها المخلصين، محملة بأمانات أهل الخير في الكويت، الذين أوكلوها هذا التكليف الإنساني، نيابة عنها وعن الوطن وعن الأمة، فاللهم أعن وسدد.
