الانتحار في الشرائع والثقافات! – بقلم : معاذ عيسى العصفور
بقلم : معاذ عيسى العصفور
مازلت أذكر مشهد الخادمة التي سكبت على جسدها المادة المشتعلة، وأشعلت النار بجسمها، بعد أن وردت إليها أخبار محملة بالأسى والحزن من بلدها، فشعرت بالعجز والحزن، فتسلل هذا الشعور إلى كل مفاصلها وأصيبت بالإحباط والاكتئاب، فقررت الانتحار ووضع حد لحياتها.
***
وخبر آخر لفت نظر الكثيرين، وهو رغبة رجل مليونير في وضع حد لحياته، لكنه لم يستطع ولم تفلح محاولاته، ولما سألوه في التحقيقات عن سبب قيامه بهذا الفعل، قال إنه شعر بملل كبير في حياته، وان حـياته بلا هدف ومعنى، فحاول وضع حد لها.
***
يشترك الاثنان بالرغبة في إنهاء حياتهما، وعدم الرغبة في مواجهة مشاكلهما، ومحاولة الهروب من ضغوط الحياة بالخروج من الحياة.
***
وجدت فصلا جميلا في كتاب الانتحار للكاتب إميل دوركايم، يتحدث فيه ببعض التفصيل والإسهاب عن الانتحار وأسبابه ومسبباته ووجدت فصلا بالكتاب يتحدث عن الانتحار، ونظرة الأديان والشرائع السماوية له على مر العصور.
***
يقول إميل دوركايم: الانتحار كان محرما في الشرائع السماوية، فالمجتمعات المسيحية حظرت الانتحار بشكل صريح منذ عام 452م، ووصفته بأنه جريمة، وأنه لا يمكن أن يكون إلا نتيجة لنزوة شيطانية. وفي عام 563 فرضوا قانونا عقابيا عليه، كأن لا تقام لهم قداس خلال تأبينهم ولا ترتل لهم المزامير أثناء مرافقة أجسادهم، وقام القديس «لويس» بفرض عقوبات إضافية (فكانت أموال المنتحر تسقط من أيدي الورثة الاعتياديين، وتصبح من حق البارون «النبيل الإقطاعي»).
***
في بوردو كانت جثة المنتحر تعلق من رجليها، وفي أبيغيل كانت الجثة تجرجر في الشوارع فوق الحصير، وفي ليل إذا كان المنتحر رجلا، فإن الجثة تسحب سحبا إلى المشنقة، ثم تشنق، وإذا كانت امرأة فإن جثتها تحرق. ولم يكن حتى الجنون يعتبر عذرا مقبولا.
***
أما «لويس الرابع عشر» في عام 1670 فحكم بقانون صريح فيه تذكير أبدي بالذنب، فقد أمر بسحب جسد المنتحر فوق الحصير، ووجهه إلى الأرض، عبر الشوارع والمفترقات، ثم يشنق أو يرمى فوق المزابل، وكانت أمواله تصادر.
***
وكان من ينتحر من النبلاء يتعرضون لفقدان منازلهم، والتحول إلى عاميين. وكانت بساتينهم تحرق، وقصورهم تهدم وخزائنهم تحطم. بحسب قرار البرلمان الفرنسي عام 1749. لكن في عام 1789م ألغت الثورة كل الإجراءات العقابية، وشطبت الانتحار من قائمة الجرائم الرسمية. ولكن جميع الأديان التي ينتمي إليها الفرنسيون دائبة على تحريمه ومعاقبة فاعله.
***
في إنجلترا منذ عهد الملك «ادجارد» تمت مساواة الانتحار بالقتلة والمجرمين حتى عام 1823م، واستمرت عادة سحب جثته في الطرقات بواسطة عصا ممتدة من جانب إلى جانب، ودفنه في إحدى الطرق الكبرى. ويدفن معزولا. وكان يوصف بأنه خائن، وكانت أمواله تكون من حق التاج. وألغيت هذه الأحكام عام 1870م.
***
وفي زيوريخ كانت جثة المنتحر تعامل بقسوة كما روى «ميشيله»، فكان إذا طعن المنتحر نفسه بخنجر، وضعت إلى جانب رأسه قطعة خشبية غرس فيها خنجر. وإذا ما انتحر غرقا، دفن على بعد خمس أقدام من الماء.
***
وفي ألمانيا صدر قانون جديد، أن من يتواطأ على الانتحار يعاقب بثلاث سنوات في السجن.
***
أما القانون الروسي فهو الأشد قسوة، فإذا كان المنتحر لم يتصرف تحت تأثير خلل عقلي مزمن أو عارض، فإن وصيته تكون وكأنها غير موجودة، ويحرم أن يدفن في مقبرة المسيحيين. ومن يحاول الانتحار يعاقب بغرامة كبيرة، ومن يحرض على الانتحار أو يساعده يعتبر شريكا في جريمة قتل متعمدة.
***
أما القانون الإسباني فيقضي بالإضافة إلى العقاب الديني والأخلاقي، بمصادرة أموال المنتحر، ويعاقب أي تواطؤ معه.
***
أما قانون مدينة نيويورك عام 1881م فيصف الانتحار بالجريمة، وقد تم العدول عن عقاب الانتحار لأسباب عملية، لأن العقاب لا يمكنه أن يؤثر بنحو ناجع بالجاني. ولكن المحاولة الفاشلة يمكن أن تجر على صاحبها حكما قضائيا، إما بالسجن الذي يمكن أن يمتد حتى عامين، أو بغرامة قد تصل إلى مبالغ كبيرة.
***
ويقول الكاتب إميل دوركايم: إن الدين الإسلامي يحرم الانتحار، بسبب الاعتقاد أن الإنسان لا يموت إلا بإرادة الله، ووفقا للقدر الذي يحدد نهاية حياته. يقول تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
***
أما المجتمعات اليونانية، فلم يكن ينظر إلى الانتحار على أنه عمل غير مشروع إلا إذا لم يكن مصرحا به من قبل الدولة، فالذي ينتحر في أثينا ينظر إليه على أنه ارتكب عدوانا جائرا على المدينة، وتمنع عنه الطقوس المعتادة، إضافة إلى ذلك فإن يد الجثة كانت تقطع وتدفن منفصلة عن الجسد، وكانت العقوبات تفرض على من ينتحر دون إذن مسبق.
***
أما عند الرومان، فقوانينهم مستمدة من التشريعات اليونانية، يقول سرفيوس: إن كل من شنق نفسه حرم من الدفن. ولمكافحة الانتحار قاموا بوضع جثث أولئك المنتحرين بنحو متصالب، وتترك مرعى لسباع الطير والوحوش.