الصديق الصدوق – بقلم : محمد الصقر
الصداقة مفهوم مهم للغاية على مستوى الأفراد والجماعات والدول والأوطان، بل حتى تبدو محاسنها وما تتركه من تأثير جيد بين كائنات أخرى غير الإنسان، ما يشبه علاقة الصداقة بين الطيور والحيوانات، وكل من الأجناس التي يكون بين أفرادها تواصل وتفاعل.
وتعد علاقة الصداقة من جملة أمور تأثرت بمظاهر الحياة الحديثة والتقدم التكنولوجي والانترنت واستخدام الهواتف الذكية، حيث أصبح الكثيرون يجدون في الهواتف الذكية بديلا عن الأصدقاء معظم الوقت، وكما كان الكتاب قديما من خير الأصدقاء، أصبح الهاتف والانترنت من أكثر الوسائل استهلاكا لوقت الإنسان لاسيما الشباب.
لكن ذلك لا يلغي أبدا ما للصداقة وللصديق الصدوق من قيمة كبيرة، فقد وردت كلمة الصديق في كتاب الله مرتين، تؤكدان على أهمية هذه العلاقة، ففي المرة الأولى بسورة النور الآية 61 شرع الله سبحانه وتعالى جواز الأكل من بيت الصديق واعتباره في مكانة تداني الأقارب، حيث أوضحت الآية أنه لا حرج أن يأكل المرء من بيت ابنه أو أبيه، أو أمه، أو أخيه، أو أخته، أو عمه، أو عمته، أو خاله، أو خالته، وكذلك له أن يأكل إن أراد إن أعطاه صاحب البيت مفتاح بيته، أو أن يأكل من بيت صديقه، إن كانوا جميعا لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك، تقول الآية (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا).
وهكذا جاء الصديق في مرتبة مساوية لأقرب الأقرباء.
أما المرة الثانية لورود كلمة الصديق في القرآن فقد جاءت عند وصف حال المشركين في النار وهم يصرخون (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) ـ الشعراء: 100 و101)، ولفضيلة العلامة محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، كلام قيم في هذا الخصوص حيث قال في التفريق بين الشافع والصديق إنه عليك أن تطلب من الشافع حتى يشفع لك، أما الصديق، لاسيما الحميم، فإنه لا ينتظر الطلب منه، بل إنه يبادرك بالمساعدة دون طلب.
في النهاية، نقول لأبنائنا من أجيال النت إن الصداقة كنز يعرف قيمتها من جربها، ومن أفضل ما يمكن أن يساعدك على مصاعب الحياة ومواقفها القاسية صديق صدوق يعينك ويهون عليك الأمور، وصدق من قال «رب أخ لك لم تلده أمك».
رزق الله الجميع صداقة مخلصة تدوم وتستقيم معها الأحوال، اللهم آمين يا رب العالمين.