الاختيار إرادة الشيء بدلا من غيره وهو أيضا حرية الشخص فيما يريده ويفعله، ونحن نعلم ان الخيرة فيما اختاره الله، فأنت تريد وانا أريد والله يفعل ما يريد. ولكن من بين اختياراتنا الكثيرة والتي تمر في حياتنا اختيار صعب للغاية، وهو اختيارك لصاحبك في زماننا هذا مع انتشار عدم الوفاء والجحود عند البعض، فصاحبك مرآتك الحقيقية، مصداقا لقول المولى عز وجل (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ـ الزخرف: 67) وكذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه الترمذي وأبو داود). من هنا أقول إن على المرء أن يفرمل ويتأمل ويفكر فيمن يضع فيه ثقته، فكم من عدو دخل الى قلبك في ثياب صديق، وكم من رجل تورط في صحبة من لا خير فيه، وندم حين لا ينفع الندم، ولله در القائل:
احذر عدوك مرة
واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق
فكان أعلم بالمضرة
وقد قال لنا أجدادنا: معرفة الأجواد غنيمة ومعرفة الأنذال هضيمة، وكان بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي صحبة فقد آخى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم، وتعد صحبتهما مثالا يحتذى، فكتب سلمان له: «إنك لن تنال ما تريد إلا بترك ما تشتهي ولن تنال ما تأمل إلا بالصبر على ما تكره، فليكن كلامك ذكرا وصمتك فكرا ونظرك عبرا، فإن الدنيا تتقلب وبهجتها تتغير، فلا تغتر بها، وليكن بيتك المسجد.. والسلام». فأجابه أبو الدرداء: «سلام عليك، أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله وأن تأخذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموتك، ومن جفائك لمودتك، واذكر حياة لا موت فيها في إحدى المنزلتين: إما في الجنة أو في النار، فإنك لا تدري إلى أيهما تصير».
ودمتم سالمين.
