تعتبر الكتابة في مجال التاريخ مهمة شاقة ومتعبة لمن يتعامل معها بروح المسؤولية ، فتجد صاحبها يقضي الأوقات في السبر و التحري خلف المعلومة التاريخية كي يطمئن إلى اتجاه سيره وأنه في الإتجاه الصحيح ، ويختلف الحس حول هذا الأمر من شخص إلى آخر .
عن تجربة شخصية مررت بها مع البحث التاريخي فإن من يدخل إلى هذا المجال سوف يواجه الكثير من المتاعب الجمة ، إذ لابد لصاحبها و أن يتأنى وألا يستعجل بل يجتهد ويسعى دون أن ينتابه الملل بل يحاول المرة تلو الأخرى حتى يحقق الهدف الذي يصبو إليه ، وحول جزئية الملل فإنه أمر عادي و طبيعي لمن يشعر بأنه لم يصل إلى النقطة المبتغاة وعصفت به طائفة من المشاعر السلبية ولوم النفس و السبب يعزو إلى عدم الشعور بتقدير الجهد الشخصي أو بمعنى أصح عدم تقدير المجهود الذاتي وهذا الأمر علاجه يكون بالصبر و عدم التعجل والذي لايتم إلا بذكر الله سبحانه و تعالى والدعاء والنظر إلى الجهد على أنه عمل به فائدة قد ينطلق منه الآخرين ، ومع مرور الوقت تعاد الطاقة إلى الإنتعاش من جديد ويصبح الباحث ساعياً إلى المزيد من البحث و الدراسة .
هذا المجهود لن يراه أحد سوى الباحث و القريبين منه وهم أفراد أسرته الذين إن قدروه تركوه يوقف وقته لتنفيذ هذه المهمة ، ثم أصدقاؤه من بعدهم ، وهكذا يضحي الباحث بحياته الشخصية وبعض تفاصيله الخاصة تاركاً ما تحويه من أحداث قد تكون هامةً له على المستوى الشخصي والاجتماعي.
من جانب آخر فإن للمعلومة التاريخية التي يسعى لأجلها متاعب أخرى كأن تكون كتباً شق عليه الوصول إليها أو مخطوطة أشكل عليه الإلمام بها وربما روايات شفاهية احتار بمدى مصداقيتها ، وهذه التفاصيل الأخيرة لايمكن للباحث أن يحقق مبتغاه من ورائها في ساعة وضحاها ولا يوم أو ليلة بل أمامه الشهور والسنوات والكثير من الأماكن والزيارات التي قد لايسفر عنها سوى سطر أو فقرة يسيرة يضعها في إحدى صفحات كتابه أو دراسته وربما مقالته.
وهناك جوانب أخرى تتمثل في مرحلة الكتابة والصياغة وهذه هي الأهم كونها تمثل المحصلة النهائية لرحلته بكل ماحملته في طياتها من متاعب وصعوبات وتحديات ولا يمكن إنجازها بشكل سريع بل تتطلب منه التأني وعدم الاستعجال حتى لايخرج جهده بصورة غير مرضية لما طمح وتمنى.
إذ أنها تحتاج إلى المراجعة المتكررة منه ومن غيره من المختصين و المعنيين بمادته ، على سبيل المثال بعد أن أنه ماقمت من مراحل سالف ذكرها فإنني أقوم بأخذ مادتي المكتوبة وأتلوها على شخص أمامي و أدون عليها ما أراه ملائماً أكثر للصيغة المقروءة ، وهكذا حتى يصل مستوى القبول إلى الحد الذي يقنع بنشر المادة وجعلها في متناول القارئ .
لقد كانت هذه بعض المتاعب التي حضرت إلى ذهني كي أستعرضها بغية إفادة الآخر بماهية المتاعب التي من الممكن مواجهتها أثناء الكتابة في مجال التاريخ.
خالد طعمة
مؤرخ
