يا فرحتك يا بوعمار ويا حزننا فيك! – بقلم : د .عبدالهادي الصالح
قيل للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أهناك أشد من الموت؟ قال: نعم، فراق الأحبة أشد من الموت».
أكتب لمن لا يعرفه عن قرب، ولمن يتعجب من هذا التيار الهادر من الحزن، الذي طوق قلوب المؤمنين المكلومة بصدمة الفاجعة والمفاجأة بوفاة الأخ الغالي د.سامي ناصر خليفة (بو عمار) وهو في عز قوته الفكرية، ونشاطه الحركي وعافيته البدنية، عندها يكون الفقد مؤلما، والموت خسارة كبيرة.
لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا الحكيم الخبير العليم البصير:
إنا لله وإنا اليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أحباؤه لكل منهم معه حكاية، ومشروع عمل، وتجربة حياة، لخصت شخصية هذا الفقيد الخلوق، أستميح منهم ان انقل بعض شذرات ما قالوه (بتصرف من واقع صحبتي معه، ومعتذرا عن ذكر الأسماء) على أمل اصدار كتاب يترجم سيرته الطيبة، يعكف بعض الإخوة على إعداده بإذن الله تعالى:
1- عرف عنه منذ عقود حمل هموم الإسلام وآماله، كان من أهل التقوى والإخلاص، شخصية مملوءة بالوعي والمثابرة والاهتمام بجمع الكلمة، سخر وقته وجهده لوحدة المسلمين عامة، وعن مدرسة أهل البيت عليهم السلام خاصة.
2- له من الشمائل والأخلاق الطيبة، صاحب فكر توافقي، يعيش هموم الناس، متواضع ويتقبل النقد، ويتجاوز عن الإساءة بقلب كبير. متيما بسيرة النبي محمد وأهل بيته عليهم السلام.
3- عاش حياته رساليا، ناصرا للمظلوم في كتاباته وأفكاره وكلامه واتصالاته ومتابعاته، وضمن ذلك نصرته لأهلنا في غزة ضد العدوان الصهيوني، وكان مدافعا عن قضايا المظلومين ساعيا بجد للمساهمة في رفع معاناتهم واستعادة حقوقهم الانسانية. كان معطاء للفقراء ويدعو الآخرين إلى العطاء فالمحتاجون كثر، والبلاء واسع.
4- دقيق في نظرته وآرائه وتحليلاته السياسية، على النحو العلمي للأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، وصولا إلى تبني الموقف الرصين المرضي لله ولرسوله.
5- يتبنى العمل وسط المتناقضات، كان همه التقارب والألفة بين المجتمع الكويتي الواحد، انطلاقا من نظريته «تفعيل المشتركات». ويحتوي بأدبياته الوحدوية الجميع، وأسس وأدار قروب «رأي وقلم»، ضم فيه عشرات من اصحاب الرأي والفكر والعمل السياسي والاجتماعي.
6- لا يتوقف عند الصعوبات والعوائق، امام اي فكرة في سبيل تحقيقها، ويطرح بإلحاح المشكلات للنقاش المفتوح، مؤمنا انه بالحوار بصبر وحكمة وتسامح يمكن الوصول إلى نتائج ايجابية. ويقابلهم دائما بكلمته الجميلة «فهمتك»!
7- له نشاطه الإسلامي والوطني في العاصمة البريطانية حيث كان متصدرا للجهود الاعلامية لنصرة وطنه الكويت ضد الغزو الصدامي الغاشم.
8- أثرى الساحة بالعديد من المقالات في جريدة الراي الكويتية وغيرها من الصحف، انصبت في محاولة فهم التاريخ السياسي الحديث للكويت والمنطقة، والاصلاح السياسي للأزمات الداخلية المتعددة. ولذلك كانت رسالته في الدكتوراه بعنوان (الأحزاب السياسية الإسلامية في الكويت) وصدرت في كتاب عام 1999 م.
9- ساهم في المشاريع الخيرية على مستوى التخطيط والتنفيذ، يتلمس حاجات المجتمع بما يخدم وطنه ومواطنيه بكافة اطيافهم. فهو احد مؤسسي ورواد مسجد الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام. وكان يسعى للبدء في بناء المسجد الذي خصص له مؤخرا في المطلاع الذي اختار له اسم «مسجد خاتم الأنبياء». كذلك اشترك في تأسيس مركز اشغال لذوي الاعاقة الذهنية في الكويت، من خلال الرابطة الوطنية للأمن الأسري «رواسي».
10- لديه مشاريع حوارية كانت تجري بين قياديي وزارة الاوقاف وعلماء مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) بالكويت.
مثلما له حوارات مع بعض وكلاء ووزراء هذه الوزارة في شأن تيسير طلبات المساجد الجعفرية.
وكان رحمه الله متفاعلا جدا مع دعوة الشيخ د.عبدالله الشريكة مدير مركز تعزيز الوسطية بوزارة الأوقاف، وهو احد اعضاء لجنة الوحدة الوطنية فيها. وكان له تواصل مع الشيخ علي هاشم السراج من خبراء العمل الوقفي في السودان، وقد رشحه كضيف لأحد الملتقيات الوقفية الجعفرية في الكويت. ساهم في فكرة اصدار كتاب «فتية مسجد النقي» وسبل تحقيقها وأدوات تنفيذها.
11- واخيرا، هذه رسالة من د. سامي نفسه، رحمه الله تعالى، أرسلها بتاريخ 2022/5/3 يطلب فيها الدعاء للمتوفين، نقتطف منها ما يلي:
«اللهم أغفر لمن عشنا معهم أجمل السنين وهزنا إليهم الحنين، اللهم اجمعنا بهم في جنتك».
«اللهم اغفر لأغلى من غابوا عن الدنيا وارحمهم واحشرهم في زمرة المتحابين فيك، واجعل ملتقانا بهم في الفردوس الأعلى يا رب العالمين».
«رحم الله ضحكات وابتسامات لا تنسى وملامح لا تغيب عن البال، وحديثا اشتقنا لسماعه».
«اللهم لا تحاسبهم بعدلك بل بلطفك وبفضلك وكرمك ورحمتك ومغفرتك فإنك أنت الغفور الرحيم… وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين»
ويقول في ختامها:
«فوالله لو تعلمون حجم فرحتهم حين تذكرونهم بدعوة…»!
فيا فرحتك يا بوعمار، ويا حزننا فيك!
لكن عزاءنا فيه ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر».
الفاتحة