خارج السرب – بقلم : فاطمة المزيعل
عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم كراهية له، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه».
بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم في حديثه أن «الناس معادن»، أي: أصول مختلفة ما بين نفيس وخسيس، كما كان صلى الله عليه وسلم بصيرا بأحوال القلوب والأرواح التي تسكن بين جوانح الناس، فيعلمنا من خلال حديثه ما ينفعنا في الدنيا والآخرة، لنحسن اختيار الناس، والمعدن هو ذلك الشيء المستقر في الأرض، وكل معدن يخرج منه ما في أصله، وكذا كل إنسان يظهر منه ما في أصله فإما نزاهة، شرف، عزة نفس، سمو ورفعة، أو خساسة، كذب، خزي وحقارة، فإذا كانت الأصول طيبة نقية كانت الفروع كذلك غالبا.
تأكد أنه لا شيء يعادل المصداقية والاتزان في حياتنا، سواء كانت المصداقية في الاعتقاد، أو في الأقوال والأفعال، فهي تعبر عن كمال وجودك كإنسان.
ومن الخصال الحميدة أن يكون للإنسان موقف محدد تجاه الأشخاص والأحداث، ومن شر الخصال أن يكون الإنسان متلونا ذاو وجهين، يظهر لكل فريق أنه معهم، وهذا النوع من الناس أسوأ من المنافق! يأتي كل طائفة من الناس بما يرضيها، فيأتي هؤلاء بوجه يرضيهم، فيظهر لهم بالقول والفعل أنه منهم، ويأتي أعداءهم بوجه آخر نقيض ما كان مع الطائفة الأخرى، كي يسترضيهم، كما تجده مرة يمتدحهم ومرة يذمهم، والأدهى من ذلك بأنه يحذرك احيانا كثيرة منهم.
فكم هو وقح وقبيح ذو الوجهين، يأتيك بوجه ويتركك بوجه، جريء ولا يخجل من تصرفاته ابدا، يظهر الخير والصلاح، وإذا خلا خلا بالمعاصي القباح!
قال رسول الله ﷺ «إن شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه».
ودائما ما يكون ذو الوجهين حاقدا حاسدا للناس، لا يتمنى الخير لغيره، كونه انسانا غير سويّ غريب الأطوار، وغالبا ما يبتعد عنه الاشخاص بشكل تدريجي عند اكتشافه، إلى ان يجد نفسه في النهاية جالسا وحده.
ولا عجب في ذلك؟! فهو شخص أجوف فارغ لا يملك سوى التصنع واختلاق الاكاذيب، ويعتبر من أصعب الشخصيات التي نواجهها، ولا يمكن أن يكون عند الناس أمينا، لأنه ينفث سموم شره وحسد قلبه بينهم، متملق ويعمل على إثبات وجوده بوجهين يجيد استخدامهما حسب الحاجة، ويتلذذ بهما في أذية واستفزاز الآخرين، ولديه جميع الأعذار والمبررات التي عادة ما يستخدمها لحماية نفسه.
جاحد، ناكر للمعروف، سرعان ما يتغير عليك ويتبدل.
غيور ويصبح كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، متناه في السذاجة، وغارق لحد ذقنه بالخطايا والأخطاء.
لا يرى عيوبه طبعا، وينزعج من كلمة الحق، كون جذوره متقعرة في الدناءة والمداورة، بعيد عن رحاب المروءة والنخوة، ومن غبائه أنه يظن أن من هم حوله لا يعرفون الدور الذي يقوم به، فهو كالنعام الذي يغطي وجهه في الأرض، ويعتقد ألا أحدا يراه.
كما أنه بعيد ايضا عن فهم العلاقات الراقية ومتطلباتها، لذلك دائما ما تجده يغرد خارج السرب، ويجيد تسلق الأكتاف، وجيد جدا باستغلال المواقف والظروف.
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار».
لكن لا يعلم صاحب الوجهين بأن سقفه مهما علا فلا يوجد ضمانة لديمومته، بل هو عرضة للاهتزاز والوقوع في اية لحظة.
يقول الشاعر:
الله يبعدك عنا يابو وجهين
وجه لنا والوجه الآخر علينا
من اول نحسبك طيب لكن الحين
الله يرفع عنك ولا يبتلينا