أسير الشوق – بقلم : مشعل السعيد
الشوق مصدر شاق وجمعه أشواق ومعناه نزوع النفس إلى الشيء وتعلقها به، مع اللهفة والحسرة، وقال ابن الأعرابي: الشوق حركة الهوى، وليس هذا بالأمر السهل كما يتوهم البعض، ولكنه أمر صعب للغاية عند أصحاب القلوب الرقيقة المحبة، يقول ابن الدمينة عبدالله بن عبيدالله الأكلبي الخثعمي:
بكيت كما يبكي الحزين صبابة
وذبت من الشوق المبرح والصد
فإذا أصبح المرء أسيرا للشوق قيد بسلاسل ثقيلة لا يطلقها إلا رؤية من شعر بالشوق إليه، وقد يقودك الشوق الى فعل أشياء غريبة لم تتعود عليها، انظروا إلى فعل الشوق في قول سحيم مولى بني الحسحاس حيث يقول:
أشوقا ولم يمض لي غير ليلة
فكيف إذا خب المطي بنا شهرا
وقال الفرزدق همام بن غالب التميمي:
أهاج لك الشوق القديم خياله
منازل بين المنتضى ومنيم
وهذا الأبله البغدادي يقول أيضا:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
وقد وصف المتنبي غلبة الشوق فأبدع وقال:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
والحق أننا أسرى الشوق إلى وجوه نيرة بنور الإيمان لم نعد نراها، اناس رسموا لنا طريق الحياة، تعلمنا منهم كيف نعمل لدنيانا وكأننا سنعيش أبدا وكيف نعمل لآخرتنا وكأننا سنموت غدا، وسبحان الله فتلك الوجوه عالقة في ذاكرتنا لا تتزحزح، فنتذكر تلك الأيام الخوالي ونتحسر مع تلاشي المثل والقيم والوطنية الخالصة، وانتشار الحداثة المفتعلة، هذه الحداثة التي ما أنزل الله بها من سلطان، فها نحن مع بالغ الاسف نعيش تغييرا جذريا في عاداتنا وتقاليدنا وأصالة مجتمعنا وعراقته، ونتلمس تفشي الكذب والمظاهر الزائفة بين الناس، وهذه الامور لم نكن لنراها في الماضي ولا يتجرأ احدا على فعلها لأنها أمور مخجلة، ومع ذلك فلا يصح إلا الصحيح، يقول المولى عز وجل في سورة الرعد (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للناس) الآية 17، وكل ما نراه من اخلاق نكرة تدل دلالة واضحة على اقتراب الوعد الحق، فهذه العلامات اخبرنا بها الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة وكثيرة، مع ان الخير واهله موجود بيننا فلو خليت قلبت نسأل الله حسن الخاتمة، ودمتم سالمين.