الزهد.. والانكفاء والاكتفاء – بقلم : هاني النبهان
قيل بأن الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال، وهو عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلّف، أي أن الزهد خلق جميل وسامٍ ورشيد، وهو خلق وسطي بين الإقبال والإدبار.
فنحن لا نعني بالزهد الانكفاء على النفس، والانطواء والانكماش التام، والتخلي عن الدنيا بكل تفاصيلها، فالدنيا مهمة للغاية، لأنها مزرعة الآخرة، فأعمال الدنيا هي من تحدد مكاناتنا في الآخرة، خير أم شر، فالقصد هنا هو التوسط بين هذا وذاك، وقد قال الله سبحانه: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا).
ومن يشاهد الحياة يرى الزحام البشري على الدنيا، ولذلك ونحن نعيش حالة الزحام – التكالب – يجب أن يتخلل نفوسنا شيء من «الزهد» بها ومنها، حتى لا نضيع مع مغريات الدنيا الرخيصة.
نعم نحن بشر، ونميل لمطامع النفس، ولكن يجب أن نضبط كل ذلك بمخافة الله، وأن نجعل الدنيا بأيدينا لا قلوبنا.
فأنا لا أدعو إلى الانكفاء على النفس بعيدا عن الدنيا.. ولكن أدعو إلى «الاكتفاء» من ملذاتها بعض الشيء، فلتكن هناك مسطرة ضابطة لمسألة الزهد بين الانكفاء والاكتفاء!
الزهد سلوك في غاية السمو والعلو والمنطقية، فعملية «اللهفة» على الحياة الدنيا هي عملية غير موفقة ولا منطقية، فهل من المنطق أن نتعامل مع الدنيا بـ «لهفة» وهي الفانية، ونتعامل مع الآخرة بتقصير وهي الباقية!؟
فالزهد بالدنيا عمل حكيم، مع مراعاة حق النفس من الدنيا بحسب الثوابت والضوابط والأخلاق.
فهذه الدنيا لا أمان لها، ومن الحكمة أن يتعامل معها الإنسان بحذر ودهاء وانتباه، فهي مخادعة ومحيرة ولا أمان لها.
- فعشها حذرا، وكن بالله معتصما، حتى تخرج منها ورب الكون راض عنك، وكن من أهل الزهد.
بالختام: كانت لي هذه القصيدة الفصيحة:
يا إلهي.. يا إلهي.. يا إلهي
أرتجيك العفو من كل الخطايا
أنت يارب البريات ملاذي
أنت من ينهي همومي والبلايا
كن لي يارب طبيبا لجروحي
يا عظيم الجود في كل العطايا
إن جرح القلب قد آذى حياتي
وتمادى بين أوصال الحنايا
لم يدع لي بهجة تضوي دروبي
كل أفراحي له صارت سبايا
شل أفراحي، وآذاني، وأوهى
نبض قلب كان يحيا في خفايا
هو جرح غائر في جوف قلبي
وخزه قد نال من كل الخلايا
يا إلهي.. يا إلهي.. يا إلهي
أرتجيك العفو من كل الخطايا
hanialnbhan@