غاية التدين – بقلم : فاطمة المزيعل
يجتمع الدين الإسلامي الحنيف مع بقية الأديان في الدعوة إلى الفضيلة والتمسك بالخلق القويم عند التعامل مع الآخر، ورغم وضوح هذا التوجه، فإن المجتمعات الإسلامية تعج بشخصيات يجتمع فيها التدين مع سوء الخلق تجاه الآخرين.
فإن الله خلق الخلق، والدين من فطرتهم، (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) (سورة الروم: 30)، هذا هو الدين إسلام، وإيمان، وأخلاق، وإحسان.
والتدين عام في تاريخ البشر، لم يخل منه مجتمع من المجتمعات، حتى قال أحد مؤرخي الإغريق بلوتارك: «وقد وجدت في التاريخ مدنا بلا حصون، ومدنا بلا مدارس، ومدنا بلا قصور، ولكنني لم أجد مدنا بلا معابد».
وقد امتن الله علينا بنعمة الإسلام، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (سورة المائدة: 3)، جعله شرائع ظاهرة وباطنة، دين كامل لا يمكن الاستغناء بجزء منه عن الآخر، (ادخلوا في السلم كافة) (سورة البقرة: 208)، في جميع عرى الإيمان.
والإيمان لباسه التقوى، ومعاملة جوهرها الصدق، وخلق جوهره الرحمة، وتشريع جوهره العدل، وعمل جوهره الإتقان، وأدب جوهره حسن المعاملة، وعلاقة جوهرها الأخوة، فمن ضيع هذه فقد ضيع جوهر الإسلام.
فالعمل الظاهر لا ينفع صاحبه إن لم يكن معه عمل قلبي، والعمل القلبي لا يكفي بلا عمل ظاهر.
ولكن هناك للأسف من يأخذ الدين جزءا، ويعمل به جانبا، فمنهم من يتدين بعاطفة، ومنهم من يتدين بظاهر وشكل، ومنهم من يتدين تدينا قلبيا بزعمه، ومنهم من يستغل الدين للوصول إلى مآرب ومصالح خاصة، ومنهم من يتدين وهو خبيث، حسود، حقود، قلبه مليء بالكراهية، ولا يتمنى الخير لغيره!
فمن الناس التدين عندهم جانب معرفي، أنه يعرف، يقول: أنا أعرف الله، أنا أعرف الدين، أنا أعرف الأحكام فقط، أنا مقتنع بعقلي، وربما لا يمارس شيئا، والمُعرض عن دين الله بالكلية لا يقوم بعمل أبدا، هذا صاحب كفر الإعراض، وبعض الذين يزعمون التدين يكون له نصيب منه في شيء من عمل القلب، ولكن لا يظهر بعد ذلك في سلوكه، ولا في حياته اليومية، وقد جاء عن عمر أنه قال على المنبر: «إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم. قالوا: كيف يكون المنافق عليما؟ قال: يتكلم بالحكمة، ويعمل بالجور، ورصيده العملي والأخلاقي ضعيف».
لذلك قال الحسن البصري – رحمه الله: «العلم علمان: فعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب، فذلك العلم النافع».
وهناك الكثير من اﻷسباب اﻷخرى التي من الممكن أن تجعل الإنسان يختار التدين ليس من أجل الدين، ولكن لأسباب وأمور شخصية أو نفسية. يقول الشيخ محمد الغزالي «التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ»، فالدين غير التدين، والدين الحق يريد منا أن نكون متدينين بالمفهوم الشامل للعبادة، والذي يعني إحسان الشعائر والأخلاق والمعاملات لله وحده، فهي كل ما يحبه ويرضاه من اﻷقوال واﻷفعال الظاهرة والباطنة.
فالخلق جزء من الدين، وبقدر نقص الأخلاق ينقص الدين، وقد روى الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له».
ويمكننا القول إن الدين كله هو الأخلاق إن فهمنا الأخلاق بأنها عامة وشاملة لخلق العبد مع ربه، وخلقه مع نفسه، وخلقه مع الناس، خلقه مع والديه، خلقه مع أمه، خلقه مع صلة رحمه، وخلقه مع سائر المخلوقات، إذا فهمنا الأخلاق بهذا الاعتبار فيمكننا القول إن الدين هو الأخلاق، وإن الأخلاق هي الدين.
افعل الخير من أجل الخير، لا من أجل الثواب!