فمن أحياها – بقلم : عبدالله الشّهاب
منذ أيام قلائل توجهت على رأس وفد جمعية النجاة الخيرية في زيارة لافتتاح أحد مشاريعنا بدولة تشاد، وللحقيقة كانت الرحلة طويلة ومرهقة، قطعنا شوطا طويلا منذ هبطنا في مطار العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) ومنها إلى تشاد، ومنذ اللحظة الأولى أدركت حجم ما تعانيه تلك المجتمعات من ظروف صعبة، ولكم أن تتخيلوا قدر الإجهاد جراء بعض الحروب والنزاعات، وما أحدثته من مجاعات خلفت ملايين البؤساء، حرقت الأرض، ومزقت الاقتصادات وتركتها في فوضى ليفوتهم قطار التمدن، فبات الملايين في مجاهل أفريقيا يحرقهم العطش، ويقتلهم الجوع ويفنيهم الإهمال، وملايين المرضى تنهش الأمراض أجسادهم، إن التوجه لهذه الحقول المقفرة بالخير هو إحياء للأرواح، هو بعث جديد.
وفي مدينة «انجوجو» تحددت وجهتنا لافتتاح «مستوصف طبي»، وكذلك منطقة«ماليو» لزيارة قرية سلوى ومنطقة «بريم» لمجمع النجاة للأيتام، حيث بدأت هذه المشاريع كحلم جميل راود خيالنا، لننطلق على بركة الله لإتمام الصروح الخيرية، والحقيقة فإن الصورة تعبر عن الحالة التي عايشناها، ووقتتها أيقنت الأثر الطيب الذي يحدثه الخير في النفوس وأنا أشاهد الوجوه فرحة متهللة قد عادت إليها الحياة ثانية، وتمنيت لو يأتي اليوم الذي لا أجد فيه سائلا بشارع أو فقيرا في بيت، وتمنيت أن تنطلق يد المعروف لتستظل بها الملايين فتحييهم وتحميهم من غوائل الحياة.
لقد أكدت هذه المشاريع بما بلغته من نضج تنموي شامل، كما كشفت لنا هذه الرحلة الخيرية عن آفاق مميزة، نحت العمل الخيري الكويتي من روحه نفقا يسمو لكل معنى شريف.
وبقدر ما تختنق في صدري الكلمات، وتحتبس الأحزان، لكنني أشعر براحة تسري بين جوانحي، وجدتني أشكر هذا المحسن الكريم الذي بذل عن سخاء، فحمدت له عطفه الوثاب الذي فرج كربة، ومسح دمعة، وأحيا نفسا أوشكت على الفناء. بيد أن الأروع حين تجد العمل الخيري الكويتي وهو يخوض هذه المعامع، يعايش الناس أزماتهم، يستلهم من تحركاته منابع العطاء الإسلامي المنسكبة لتحيي الأرض بعد موتها، لا يعرف للخير حدودا، ولا في البشر فواصل، ولا في الطموح مدى، يهدي البشرية يدا بيضاء تنفث الحياة في كل شيء، يؤسس لعوالم جديدة خصبة الإنتاج، يمد مشاريعه في رحمة يسعد بها المحروم، ويعيش في كنفها الضعيف.
دعونا نطلقها من الكويت من قلب العالم النابض بالإنسانية لنحييها، لتلف أرجاء الأرض في هالات من النور، ولتكون أداة رحمة ووسيلة بناء وآلة نهضة.