الاندفاع والتــروي ضــدان لا يتفقان، بينهما بون كبير وفرق شاسع، فالاندفاع سلوك غير مقبول يقوم به المرء وتصرف سريع دون تفكير بالعواقب، بحيث لا يتحكم المرء بنفسه فيتهور في فعل الشيء وهي ردة فعل سريعة بسبب الغضب أو السعي وراء فكرة مغرية دون توازن وروية، وهذا هو الخطأ بعينه، وللاندفاع وجوه وأشكال كثيرة وكلها تعود بالشر والوبال على صاحبها، وغالبا ما تكون البدايات تعميك بجمالها عن نهاياتها المؤلمة، تلك النهايات التي قد تضر صاحبها ضررا كبيرا، دون أن يحسب لها حسابا، أما التروي ففيه الخير كله، مثل التأمل والتأني والتبصر والتفكر وقبل الإقدام على فعل شيء، وقد عرفنا من خلال تجاربنا الطويلة مع الحياة أن الجاهل يؤكد كل ما يسمعه والعالم يشك في ذلك، والعاقل يتروى أولا ثم يتكلم، والمندفع يتكلم دون تفكير، والله سبحانه وتعالى علمنا بفضله ومنه التؤدة والتأني في أمورنا كلها، ونهانا عن الاستعجال فقال عز من قائل: (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين – الحجرات: 6)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثنيا على التروي لأشج عبدالقيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة» رواه مسلم، يقول النابغة الذبياني:
الرفق يمن والأناة سعادة
فتأنّ في رفق تنال نجاحا
حتى أبناؤنا من الواجب علينا أن نربيهم على التروي وعدم الاندفاع والتهور وراء الأشياء المغرية، ليتسنى لهم بعد ذلك معرفة كيف يواجهون مصاعب الحياة، وما رأيت متأنيا إلا راجح العقل رزينا مطمئن القلب، لأن التأني يعصم المرء من الزلل والخطأ، وما رأيت مندفعا إلا وجدته متهورا طائشا سفيها ضعيف عقل، جالبا لنفسه الهم والضرر، نادما وقت لا ينفع الندم، وفي الاتزان الرزانة وبه تصل إلى مبتغاك، وكان المحدث إبراهيم الشعبي كثيرا ما يقول متمثلا:
ليست الأحلام في حال الرضا
إنما الأحلام في حال الغضب
ودمتم سالمين.
