نعيم الدنيا ينفد – بقلم : مشعل السعيد
النعيم أسعد حالة يمكن أن يتمتع بها الإنسان من راحة بال وصحة وأمن ومطعم ومشرب، فإذا قلنا إن فلانا نعيم البال فهو الهادئ المرتاح، وكل نعيم مهما بلغت لذته زائل إلا نعيم الجنة، الفردوس ومقر الأبرار الأخيار، يقول المولى عز وجل: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ـ الكهف: 7) فمتاع الدنيا نعيم قليل وكله زائل، فنعيم الدنيا زينة غير دائمة، وقد كتب الله عليها الفناء، ومع ذلك يغتر بها كثير من الناس: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ـ التوبة).
ولو فكر المرء قليلا وتأمل الآية الكريمة: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ـ الكهف)، لنعلم أن كل ما في هذه الدنيا العريضة إلى زوال، وبما ان الشيء بالشيء يذكر فقد روي أن لبيد بن ربيعة العامري زار مكة المكرمة فاجتمع عليه المشركون ومعهم عثمان بن مظعون الجمحي وهو من أوائل من أسلم، فطلبوا منه أن ينشدهم من شعره فقال: ألا كل شيء ماخلا الله باطل، فقال له عثمان: صدقت، فقال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل، فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال له رجل من المشركين: إن هذا سفيه من سفهاء معه، فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك، فرد عثمان على المشرك حتى شري أمرهما، فقام المشرك فلطم عين عثمان فخضرها.
وقد قال الحسن البصري: كل نعيم زائل إلا نعيم أهل الجنة، وكل غم زائل إلا غم أهل النار، وفي النهاية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من اهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة (أي يغمس غمسة) ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ! ويؤتى بأشد الناس بؤسا (أي شدة وبلاء) من اهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيـــت بؤسا قط؟ هل مرت بك شدة قـــط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط».
وفي الختام: نعيم الدنيا ينفد ونعيم الآخرة لا ينفد، ودمتم سالمين.