في ١٧ ديسمبر ٢٠١٩ ، اخترق أنس الصالح أعرافاً معمولاً بها في الحكومات الكويتية منذ عهد الإستقلال، فحلّ وزيرا للداخلية… قبل ذاك ، كان المنصب مقصوراً على أبناء الأسرة الحاكمة … والمشهد ذاته، أقبل مجددا في أول حكومة يشكلها سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد الصباح في ١٧ يناير ٢٠٢٤ ، إذ أُسكن عبدالله اليحيا على هرم وزارة الخارجية .
هذا حكومياً… برلمانياً، المجلس التأسيسي الذي التأم أول إجتماع لأعضائه العشرين مع ١١ وزيرا حينذاك في ٢٠ يناير ١٩٦٢، منحوا رئاسة مجلسهم إلى عبداللطيف محمد الغانم …أغواره طبقة تجارية وتيار وطني ووضع إجتماعي عالٍ… لتتوغل هذه الجذور ، وتضرب أطناباً أعمق، فتُجلس عبدالعزيز الصقر على كرسي قيادة أول مجلس أمة في تاريخ البلاد عام ١٩٦٣… وتسلك السفينة النيابية مذاك ، بربابنة هم قاطبة من مصطلح عُرف في الشارع المحلي بـ ” عيال السور “… غيرهم ممن نالوا اللقب النيابي ، مَبْلغهم التصويت لمرشح من ” بطنها ” ، يمتطي إمرة السلطة التشريعية … وأجلى ما قَوِيُوا ارتقاءه في قاعة عبدالله السالم ، مقعد نائب الرئيس.
هل آن أوان ، فضُّ اختزال إمامة البرلمان الكويتي بفئة مجتمعية بعينها ؟ … في مجلس ٢٠٢٤ ، المنفعة للسلطتين ، تبرق وتبتهج لهشم المألوف ، وكدم المكرر …ورفع الأشرعة ، ليبحر مركب البرلمان بقبطان ليس من معايير ترسخت في أذهاننا ، وقتما تحين لحظة الترشح للرئاسة النيابية… الفسحة لتكن مشرعة لمن هو من ” السور” وخارجه ..من التجار أو منزلة متوسطة ، ولا ضير في درجة محدودة … كي نفلت من وهْمٍ صدقناه ، ونتملص من خطأ كررناه .
لنُسم الأمور بمسمياتها ، والتحلل من الإنتماءات والتحزبات والعواطف والتعصب المسبق… أحمد السعدون ، لأسباب متضاربة متنافرة ، لم يعد الإختيار المثالي لإصطفائه رئيسا … الحكومة ليس قصياً ،في دهاليزها عدم تشوق له ، وأطراف نيابية لاتبتغيه ،وبغيتها غيره … غير أنها تنتقيه هو بعينه ، لتوحد الصف فتوصد المنفذ أمام مرزوق الغانم …في مقابل هذه وتلك، مرزوق الغانم ، ليس مرتقباً أن يعثر على ضالته بغالبية أعضاء يعيدونه إلى زعامة فقدها … حتى السلطة التنفيذية إن آزرته ، ستتفجر في طريقها ألغامٌ ، وتحصد عداوات نيابية ، تتوعد الشيخ محمد الصباح ، بما عاناه سلفه الشيخ صباح الخالد في مجلس ٢٠٢٠.
السعدون والغانم – لدى جمهور وفير -ليسا ملائمين للسلطتين ، ولا لائقاً الإتيان بمن هو من تركيبتهما الإجتماعية تماشياً مع أعراف باتت بالية متهالكة … هنا، تغدو الساحة مترامية الأطراف لكل كفاءة نيابية ،والمطرقة قد لا تُجافى من هم في مناطق خارجية يقطنون … والتخير قد يبدو متسعاً نجاحه لنائب قبلي ، كي يعتلي سدة الرئاسة لأول مرة … فالقبليون بلغة الأرقام وأهميتها ، هم الجبهة الأكبر في البرلمان رغم تعدد الإنتماء والفكر والتوجهات .
وإذا أمعنت الحكومة النظر في سيناريوات آتية، منفعتها رئيس قبلي …فالقلب النابض للصف المعارض حاليا هم النواب القبليون ، ويستأثرون بترجيح قوانين مثلما بحوزتهم وأدها … هنا الرئيس من هذا التكتل ، يمكن أن يغدو حمامة سلام تهديء وتجمع ، كما هو تحييده بعض أعضاء ، فلا يستمرئون التأجيج والتأزيم، ويجنحون إلى أدوات دستورية ، تسبق المساءلات والإستجوابات … بل إن السلطة التنفيذية ، التي أثارت الصفوف القبلية على وجه التحديد بملف الهوية الوطنية وسحب الجناسي، ستبعث رسالة ساطعة المعنى عند ترحيبها برئيس قبلي أو أي شخصية خارج إطار الرئاسات السابقة … هنا، تبرهن أنها لا تعادي قبيلة أو طائفة ، هي للبلاد والعباد بلا عزل أو فرز ، ولا تضمر شراً بسحب جناسي من أبناء هذه وتلك… بيد أن غايتها القانون وفضح المزور ، أياًّ كان وممن كان .
عملياً، ما السبيل إلى التنفيذ ؟… أحمد السعدون حتماً سيترشح ،والغانم لن يقدم على هذه الخطوة إلا ضامناً انتصاره ، وهذا الكفيل ليس سانحاً …على الضفة المقابلة،الحكومة ستصوت ولن تسلك الحياد ، فهذا حقها الدستوري…بيدها ١٦ صوتا تشرِّق بهم وتغرّب، يعلون ويسقطون…والمعادلة الحسابية إذاك ، من يترشح للرئاسة مواجهاً السعدون ، هو يستقطع أصواتاً من ” أبو عبدالعزيز”…وكلما زاد إجمالي المرشحين ، نقص مؤيدو السعدون … هنا المرأى سيناريوات عدة ، خيوطها حكومية … فالسعدون لحظتها، واردٌ ألا يظفر بالمركز الأول أو الثاني ، ساعتها يتنحى مبكراً، فلامحل له في إنتخابات الإعادة بين إثنين فقط… أو يحصد أحد المركزين من غير امتلاك نسبة الغالبية ، ليُسبَل الستار على منافسة ثنائية مع خصمه ، الظافر فيها فأله أكثرية عادية، ترجح بوصلة ميزانها، أوراق وزارية يحتضنها صندوق الإقتراع الرئاسي …بل إن الرابح قد يقهر النتيجة من غير حاجة ماسة لمعونة الصف الوزاري.
بيد أن من المهم ، لفت الإنتباه إلى أن الرئيس الجديد حتى لو استأثر بأصوات الحكومة وقتذاك ، لن يتسمى بالرئيس غير شعبي ، كما هو نُطْق ُجموعٍ نيابية في فوز مرزوق الغانم على بدر الحميدي في مجلس ٢٠٢٠ …فالإنسي ليسوا هم الإنسي ،والنفوس تحولت، والظروف ارتدت ، والتحالفات شحبت … فلكل مقام مقال ، ولكل حدث رجال … حينذاك ، يتذكر بعضهم أن السعدون صار رئيسا في زمن مضى بأصوات حكومية ، فلا ضير في لعبة انتخابية ، وتكتيكات المناصب.