الخُلق الحسن شعار ودثار المسلم، لا شك في ذلك، واليوم أحدثكم عن هذا المثل الشعبي الجميل الذي يكاد أن يختفي، كنا نسمعه كثيرا في الماضي ممن هم أكبر منا سنا وأكثر خبرة في الحياة، وكانوا يقولونه لنا بصيغة نصيحة وإرشاد، وهو: «لحية احشمها ولحية احشم نفسك عنها» وهذا المثل صادق وواقعي فهناك من يفرض عليك احترامه وهناك من تحترم نفسك عنه، فلابد من الفضيلة والتسامح وسعة الصدر والخلق الحسن، حتى تسير أمور حياتك في الاتجاه الصحيح، فهناك أناس لا تستطيع مجاراة سوء تصرفاتهم وطيشهم، وهناك من يعجبك رزانتهم واتزانهم حتى وإن اختلفت معهم في أطروحاتهم التي لا تناسب توجهك وأفكارك، أو إذا قالوا ما لا يعجبك، أو أخطأوا في حقك، فعليك احترامهم وعدم الرد عليهم بما لا يليق.
وعلى الطرف الآخر، تجد أناسا تصدر منهم الإساءة تلو الإساءة والخطأ تلو الخطأ ويتعمدون عن قصد استفزازك ومضايقتك، وفي مثل هذه الحالة على الإنسان العاقل أن يترفع عنهم وألا يرد عليهم أو ينحدر إلى مستواهم، فنحن نعلم تمام العلم أن كل إناء بما فيه ينضح. وعموما، فالمرء يقاس بأخلاقه وبحسن تعامله مع الناس، لذلك نجد أن هناك من يستحق الاحترام والتقدير والتوقير، وهناك من لا يستحق ذلك، فلا تدخل مع هذا الصنف الأخير من الناس في نقاشات جوفاء لا تجدي نفعا.
ومن تجاربنا الطويلة خلال هذه الحياة نجد أن النشأة والتربية هي الأساس، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر، فالنشأة تلعب دورا كبيرا في حياة الناس، ومن شب على شيء شاب عليه، فإن شب على الخلق الكريم كان كذلك، وإن كانت التربية غير صالحة نشأ على عدم الصلاح، ولا شك أن للأخلاق مكانة عالية في ديننا الإسلام، وقد وصف الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقد سئل صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا، فصلاح أفعال الناس بصلاح أخلاقهم، يقول الأحنف بن قيس: ألا أخبركم بأدوأ الداء؟ قالوا بلى، قال: الخلق الدنيء واللسان البذيء.
وقد قال المولى عز وجل: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (الفرقان:63). وقال حكيم: الحسن الخلق من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة، والسيئ الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء. ودمتم سالمين.
