من خصال البر أن تكون مأمون الجانب، يجالسك الإنسان أو يرتحل عنك آمنا من تلونك وتقلبك!
وهذا الخلق على شرفه، نادر عزيز، لا يكاد يلمع إلا في معدن شريف، تعبد لله باسمه تعالى «المؤمن» فأمن الناس في صحبته وأمنوا من إساءته! ومن عرفته كذلك، وقلما تعرف، فاجعل قلبك مستقرا له!
فليس الصديق من عد سقطات قرينه، وجازاه بغثه وثمينه، بل الصديق من ماشى صديقه على عرجه، واستقام له على عوجه، فذلك الذي إن رأى سيئة وطئها بالقدم، وإن رأى حسنة رفعها على علم.
ومن موجبات دخول الجنة ان تكون مأمون الجانب، ان يسلم الناس من أذاك وشرك، في مسند أحمد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم، عن امراة قليلة الصيام والصدقة، ولكنها لا تؤذي احدا.
حديثي معكم اليوم عن المؤمن كيف يكون مأمون الجانب، ثبت في مسند الامام أحمد والشيخان عن ابي هريرة رضي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه».
وللترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة يرفعه: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله»، فالمؤمن مأمون الجانب لا يأتيك من طرفه اذى او ضرر او غدر او خيانة او قنص او خذلان.
لان الاخ من شأنه ان يوصل النفع إلى أخيه ويكف عنه الضرر، ومن اعظم الضرر الظلم والخذلان، فقد حرمه الله على نفسه وجعله بين العباد محرما ومنه ظلم العباد «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
ومن أعظم الضرر الخيانة، تسمع كل يوم آلاف القصص من خيانة الشركاء، والأصحاب وغيرها، قال الشافعي: المؤمن لا يطغى على قرينه ولا شريكه ولا خليطه (أداء الأمانة من الإيمان وفقدانها من النفاق). وفي الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه «اللهم إني أعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة».
ومن أعظم الضرر الخبث والغدر والمراوغة والكذب، ففي هذا الحديث «لا يكذبه»، فالمؤمن مأمون الجانب في حديثه لا يكذب، وفي الحديث «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت كاذب»، ولذلك الكذب والخيانة لا يطبع عليهما المؤمن لأنهما اذا وجدا دلّا على فقدان الايمان.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن»، وهو قتل الغافل. هذا الزمن مخيف جدا، يقول عمر رضي الله عنه: «لست بالخب والخب يخدعني».
ومن أعظم الضرر من يتعامى عن الفضائل والحسنات كلها، فإذا رأى معصية او عيبا او مخالفة او عورة فضحها وبالغ في الحديث عنها، واذا رأى حسنة تعامى عنها، يرى 99 حسنة فلا يذكرها واذا رأى خللا اقام الدنيا واقعدها.
فالمؤمن مأمون الجانب بمثابة مصدر امان لمن حوله، لان هناك اشخاصا مخيفين، تخافه على نفسك ومالك واهلك وتخاف من غدره وخذلانه لك.
والمؤمن كالمرآة لأخيه يقيسه على نفسه وينفي عنه كل تهمة ويبرئه من كل نقيصة، ينظر إلى الناس بعين المنظار الذي يحب أن ينظر إليه به.
