بالتخلي يبدأ التجلي – بقلم : معاذ عيسى العصفور
يتعب أحدنا في تكوين شخصيته، وتلميع صورته، وتحسين حسابه في أحد برامج التواصل الاجتماعي فيكسب الأصدقاء ويزداد عنده المتابعون ويشتهر بهذا البرنامج فيعيش هو بداخله ويصبح جزءا لا يتجزأ من حياته، بل هو حياته، ويصبح هاجسه استمرار النجاح بالبرنامج فهو آخر أحلامه.
تنشأ علاقة حب أو صداقة بين طرفين فتمتد جذورها لفترة طويلة ويتقارب الطرفان وتتوثق الصداقة وتكبر العلاقة، فيشعر «أحدهم» بأن هذه العلاقة إلى الأبد، وأن الموت هو العارض الوحيد الذي يستطيع أن يفرق بينهم لأن ما يعيشه مع الطرف الآخر هو منتهى طموحاته.
يتعلق القلب أحيانا بدولة «ما» قد سافر إليها فيذكر محاسنها ويغض الطرف عن مساوئها، ويكرر السفر لها كلما سنحت له الفرصة صيفا كان أو شتاء، وتصبح زيارة هذه الدولة هي أقصى أمانيه.
حينما يضيق الأفق على برنامج أو شخص أو مكان سيشعر أن هذا البرنامج وهذا الشخص وهذا المكان هو آخر أحلامه ومنتهى طموحاته وأقصى أمانيه.
مع مرور الوقت سيُفاجأ ويصدم بأن آخر أحلامه بعدها رؤى جميلة، وأن منتهى طموحاته لم تتوقف عنده، وأن أقصى أمانيه بعدها أمان وأمان.
لماذا نحبس أنفسنا في برنامج واحد والبرامج متوفرة، ولماذا نحصر الصداقات في شخص والشخوص كثر، ولماذا نقلل الخيارات وهي عديدة.
الإنسان بطبعه يتغير ويتشكل بناء على ما يؤمن به ويعتقده، فلا الغير يستطيع أن يسيطر عليك إذا كان ايمانك قويا، ولا الآخرون يستطيعون التحكم فيك إذا كنت ذا صلابة وقوة، ولن تكون سهل الانقياد إذا استطعت أن تقود نفسك.
لذلك إصلاح الداخل سينعكس على الخارج، وتعديل المفاهيم سيعدل من حياتك، وتغيير قناعتك سيغير من قناعات الآخرين بك.
التعلق المرضي هو الذي يؤدي بك إلى التخلي عن مسؤولياتك وأن تتعدى سلوكياتك تجاه المتعلق به بشكل مرضي، فيشعر المتعلق برغبة قهرية في السعي وراء الحب بسبب المشاعر القوية والتي تبدأ بالحاجة للشعور بالانتماء حينما يشعر بالرفض والهجر (منقول بتصرف).
لذلك قيل بالتخلي يبدأ التجلي، وبالترك يأتي العوض، وبالهجران يأتي العرفان، الحياة لن تقف على أحد، فمن تخلى عنك سيندم، ومن تركك سيخسر، ومن هجرك سيرجع لك إذا كان في رجوعه خير لك.
ليكن تعلقك بالباقي وبالحي الذي لا يموت وهو الله عز وجل، وليكن ما تصبو إليه يرجى بركته بالدنيا، ونفعه وبالآخرة، فالنفوس تتغير، والأماكن تتبدل، والأمزجة لا تدوم على حال.