بين النصيحة والتأنيب – بقلم : فاطمة المزيعل
قال الإمام الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
و«الدين النصيحة»، ولكن أيضا «إنما الأعمال بالنيات»، وعندما تتعكر النية فقد تتحول النصيحة إلى فضيحة على المنصوح في الدنيا وربما على الناصح في الآخرة.
ففي تفسير قوله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، قال الفضيل بن عياض: «أخلصه وأصوبه»، أي حتى يقبل العمل يجب أن يكون خالصا لوجه الله تعالى، ووفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإذا ما قربنا النصيحة إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجد أنه حق على الناصح أن يتبع شروطا تجعل من نصيحته فعالة مجدية، وعلى الأقل لتكسبه أجر النية الحسنة.
فلابد للناصح من تذكر أهمية استحضار النية الصالحة أو تصويب نيته، كأول خطوة لتقديم نصيحة صادقة مفيدة ومقبولة عند الله عز وجل.
كما يجب على النصيحة أن تكون في رفق، فكما جاء في الحديث: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، ويجب أن تكون النصيحة بالمعروف بمعروف، وفي النهي عن المنكر من غير منكر.
كما أذكر ما أبانه ابن القيم، رحمه الله، في كتابه «الروح»، فصل «الفرق بين النصيحة والتأنيب» ايضا، وهو بأن النصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه فيتلطف في بذلها غاية التلطف ويحتمل أذى المنصوح ولائمته ويعامله معاملة الطبيب المشفق للمريض المشبع مرضا، فيحتمل سوء خلقه وشراسته.
وأما المؤنب فهو شخص قصده التعيير والإهانة والتحقير، وذم من ينبه في صورة النصح فهو يقول له يا فاعل كذا وكذا يا مستحقا للذم والإهانة في صورة ناصح مشفق، وهنا هو حوّل النصيحة إلى فضيحة، وعلامة هذا أنه لو رأى من يحبه ويحسن إليه على مثل عمل هذا أو شر منه لم يعرض له ولم يقل له شيئا، ويطلب له وجوه المعاذير، فإن غلب قال: وأنى ضمنت له العصمة؟!
والإنسان بشكل عام عرضة للخطأ ومحاسنه أكثر من مساوئه والله غفور رحيم، ونحو ذلك، فيا عجبا كيف كان هذا لمن يحبه دون من يبغضه!
ومن الفروق بين الناصح والمؤنب أن الناصح لا يعاديك او يفضحك إذا لم تقبل نصيحته، بل يدعو لك بظهر الغيب ولا يذكر عيوبك ولا يبينها في الناس، اما المؤنب فعكس ذلك.
ولا أعلم صراحة لماذا يستمتع الأغلب بتتبع الفضائح والتلذذ بنشرها؟ فهي وصمة أخلاقية وسلوك مستهجن تنال من ذمة وسمعة مرتكبها.
ولا اعلم ايضا لماذا ننسى تلك النعمة التي لو تفكر فيها العبد لزاد لله حبه، وكثر منه حياؤه، وانكسر بين يدي ربه، وتواضع له سبحانه، ألا وهي نعمة الستر.
فالستر نعمة عظيمة، ومنة جسيمة، لو كشفها الله عنا لافتضحنا، ولما نظر أحدنا إلى وجه أخيه، ولعمت العداوة والبغضاء بين الخلق أجمعين.
فتذكر أخي الناصح (يوم تبلى السرائر)، (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).