الاعتراف بالخطأ فضيلة – بقلم : مشعل السعيد
يقولون في الأمثال «الاعتراف بالحق فضيلة»، وهو مثل مأخوذ من صلب ديننا الحنيف وشريعتنا السمحاء، ثم انه خلق إسلامي رفيع، فنحن نعلم تمام العلم أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن الحق أحق أن يتبع وأن الله هو الحق، ولا غضاضة في اعترافنا بالخطأ وتراجعنا واعتذارنا، بل أن هذا التصرف من كمال المـروءة والأدب وحسن الخلق، وما نحن إلا بشــر، فمن منا خال من العيوب او سالم من الأخطاء؟! هيهات هيهات، لا يكون ذلك على الإطلاق، فما أكثر أخــطائنا، لما فطرنا عليه من الضعف.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون [رواه الترمذي وابن ماجة]، وهذا المثل رائع إذا طبقناه على أنفسنا، ولكن للأسف هناك أناسا لاقيمة لهذا المثل في حياتهم لأنهم يظنون ان الاعتراف بالخطأ ضعف واستكانة، وهذا خطأ كبير في حق أنفسهم، بل أن يتمادون في غيهم ويعاندون وتأخذهم العزة بالإثم فيغمطون الحق وينكرونه وهم يعلمونه، والحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق، ولا أبالغ إذا قلت ان الاعتراف بالحق فريضة وليس فضيله فقط، وقد وصف المولى عز وجل هؤلاء الناس بقوله عز من قائل (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (البقرة: 42).
والحق ان الاعتراف بالخطأ والاعتذار منه مبعث راحة وطمأنينة للنفس وللضمير، روى الترمذي وابن ماجة وغيرهم، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو على المنبر: أيها الناس، ما اكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصدقات فيما بينهم أربع مائة درهم، فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله او كرامة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، ثم نزل فاعترضته إمراة من قريش فقالت: ياأمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول (وآتيتم إحداهن قنطارا) «الآية» فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فصعد المنبر فقال: أيها الناس، كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل، وهذه صورة من صور الاعتراف بالحق، ودمتم سالمين.