علم فلسطين في شوارع باندونغ – بقلم : د.ناصر أحمد العمار
باندونغ عاصمة مقاطعة جاوه الغربية ورابع مدينة اندونيسية من حيث الأهمية، تبعد عن العاصمة جاكرتا مسافة ثلاث ساعات بالسيارة، تشرفت بمصاحبة كوكبة من رجالات الكويت، يكبرهم مقاما وسنا أحد المحسنين الكرام، لتفقد وتقييم مشاريعه الخيرية، وبناء أخرى جديدة على نفقته الخاصة، جزاه الله خير الجزاء وبارك الله بماله وصحته وعافيته وزاده من فضله.
خلال التوجه إلى هذه المشاريع التي تبعد مسافات طويلة عن مركز مدينة باندونغ، تطوف بنا السيارة على العديد من المدن الصغيرة والقرى المنتشرة هنا وهناك، لفت انتباهنا الباعة المنتشرون على جوانب الطرق الرئيسة مستغلين الزحام الشديد المتسبب بالوقوف الطويل والمستمر، خلاله لاحظنا بعض الباعة وقد توشحوا بالعلم الفلسطيني، ارتداء وسلعة للبيع. أعجبتني هذه المبادرة كثيرا التي تنم عن مواقف مبدئية، بيع الأعلام الفلسطينية لم يفرض بقرار من وزير التجارة ولا أي إيماءات رسمية هنا وأوامر صدرت هناك.
ذكر لي أحد مرافقينا وهو من سكان باندونغ أن هذا الحماس والتفاعل الوجداني مع قضية غزة ليس وليدة اللحظة، ولا يقتصر على بيع وإقبال الناس شراء العلم الفلسطيني والتعاطف مع هذه القضية العادلة والإنسانية فقط، وأن هذا السلوك لا يشكل ردة فعل على الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، أي انه ليس سلوكا عاطفيا آنيا لفعل قبيح يرتكب، بل إن انتشار الأعلام الفلسطينية وإطلاق الشعارات المؤيدة لقضية غزة على بعض المنازل وعلى العديد من المباني هنا وهناك يعتبر سلوكا وفكرا مبنيا على مبادئ راسخة وثابته تجاه القضية الفلسطينية، يعبر عنها العديد من الإندونيسيين بمختلف شرائحهم.
واستطرد محدثي قائلا: إن الوقوف والتفاعل مع الحق الفلسطيني ممتد في اندونيسيا منذ أمد بعيد، وأنها في الخط الأمامي مع القضية الفلسطينية. آيتها في ذلك نص دستورها الصادر عام 1945 صراحة على أن الاستقلال هو حق مشروع لكل الشعوب، وإن إندونيسيا بصفتها عضوا غير دائم في مجلس الأمن للفترة 2019 – 2020 أكدت دعمها لنضال الشعب الفلسطيني للحصول على استقلال بلاده وعاصمتها القدس الشرقية، وقد كان من المواقف الثابتة والمشرفة موقف مجلس العلماء الذي حث الحكومة الاندونيسية وشجعها على الصمود في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وألا تلتفت حتى في التفكير باستئناف العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل، وأن الدفاع عن فلسطين هو دفاع أبدي لحريتها.
أنهى مرافقنا حديثه عن المواقف الرسمية لبلده، وتبقى لنا مشاهدات عدة اثناء تجوالنا في مدينة باندونغ تعبر عن وقوف الشعب الإندونيسي مع القضية الفلسطينية التي لم تقتصر على بيع أو رفع الأعلام الفلسطينية، أبرزها ما قرأته واطلعت عليه في وسائل التواصل الاجتماعي وهو الحراك الشعبي الرافض للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة والقدس المحتلين من خلال تنظيم المظاهرات في عدد من المدن الاندونيسية الذي بلغ ذروته بالعاصمة جاكرتا رافعين الأعلام الإندونيسية والفلسطينية واللافتات التي كتب عليها «فلسطين حرة»، فضلا عن تنظيم مظاهرات اخرى في مدن كثيرة بينها: سورابايا، وماكاسار، ورياو وغيره،. لذلك لا غرابة في مشاهدة الأعلام الفلسطينية ترفرف في أزقة وشوارع وأرصفة مدينة باندونغ الإندونيسية.