دمى التصادم وأذرع الروبوت: كيف يتم اختبار مقاعد الطائرات؟
في مبنى يُستخدم كمستودع في بلدة هادئة في أيرلندا الشمالية، يقوم ذراع روبوت بفتح وإغلاق طاولة طعام الطائرة مرارًا وتكرارًا.
لقد تم برمجته للقيام بهذه المهمة الروتينية ما لا يقل عن 28 ألف مرة، ليلاً ونهاراً، لأكثر من أسبوع. ولن يحصل في المقابل حتى على كيس من الفول السوداني.
ويقول جيرالد كينغ، رئيس قسم الهندسة في شركة تومسون آيرو سيتينج في بانبريدغ: “يمكننا قياس القوة التي يحتاجها الروبوت للقيام بهذه المهمة، هل تتزايد؟ فهذا يعني المزيد من الاحتكاك”.
وتصنع شركة تومسون مقاعد الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال، النوع الباهظ الثمن الذي يوضع عادة في مقدمة طائرات الركاب، مع مقصورات خاصة تحاكي الخصوصية، وأنظمة ترفيه مدمجة، ومساحة كبيرة للأرجل.
وتمتلك الشركة مراكز وآلات مختلفة لاختبار طول عمر هذه المقاعد وسلامتها. بما في ذلك منشأة جديدة بقيمة 7.5 مليون جنيه إسترليني، افتتحت في الخريف الماضي، حيث يتم ربط دمى اختبار الاصطدام بمقعد وإطلاقها على مسار قصير بسرعات لا تصدق.
والفكرة هي ضمان قدرة المقعد والراكب على تحمل التعرض لفترة وجيزة لقوة جاذبية تبلغ 16 جي. وهي المنشأة الوحيدة من نوعها في أيرلندا.
ولعل من المدهش أن ما يقرب من ثلث مقاعد الطائرات في العالم يتم تصنيعها في أيرلندا الشمالية، وفقًا لوكالة التنمية الاقتصادية إنفيست إن آي.
وتعد شركة تومسون، التي اشترتها شركة صينية في عام 2016، واحدة من الشركات القليلة في المنطقة المتخصصة في هذه التجارة. وتنتج الشركة حاليًا ما يقرب من 1500 مقعد سنويًا.
ومن بين الموردين الرئيسيين الآخرين للمقاعد في أيرلندا الشمالية شركة كولينز إيروسبيس في كيلكيل. وهناك أيضًا شركة أليس بلو إيرو في كريغافون.
وتعد شركة سافران واحدة من أكبر شركات تصنيع المقاعد في العالم، ولديها منشآت في ست قارات.
ولكن بسبب وباء كوفيد 19، تراجع الطلب على مقاعد الطائرات بشكل كبير. فعندما ظهر فيروس كورونا، تباطأت صناعة تصنيع الطائرات إلى حد كبير. وعلى مستوى العالم، سرحت الشركات الآلاف من العمال، فعلى سبيل المثال، خفضت شركة تومسون قوتها العاملة إلى النصف، وواجهت خسائر مالية بلغت ملايين الدولارات.
لقد انفتح العالم أخيرًا مرة أخرى، لكن مصنعي المقاعد لم يتمكنوا من العثور على جميع العمال المهرة الذين يحتاجون إليهم، مما يعني أن الطلب، على مستوى العالم، يفوق العرض.
وفي إشارة إلى بطء إمدادات المقاعد وأجزاء المقصورة الأخرى، قال الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص في يونيو الماضي: “إنه وضع صعب للغاية”.
ويوضح نيك كانينغهام، المحلل في وكالة بارتنرز، الذي يتتبع ثروات شركة أخرى لتصنيع المقاعد، وهي شركة سافران، قائلاً: “لقد فقدت الصناعة هذه الخبرة، سواء من حيث التصنيع المباشر والعملي، ومن حيث تعليم الشباب كيفية القيام بهذه المهمة”.
ويضيف أن إحدى المشاكل هي أن مصنعي المقاعد يجدون صعوبة في اختبار مقاعدهم وإصدار شهادات الاعتماد لها بسرعة من قبل أطراف ثالثة، تعاني أيضًا من نقص في العمالة.
ولكن شركة تومسون تستطيع التغلب على هذه المشكلة بفضل مرافق الاختبار الداخلية، كما يوضح كولم ماك إيفي، نائب رئيس الحسابات في المؤسسة. ويقول إن الشركة قادرة على تلبية احتياجات عملائها في الوقت الحالي، رغم أنه يضيف: “لكن يتعين علينا أن نكون استراتيجيين للغاية فيما يتصل بالعملاء الجدد”.
ويعمل في مواقع شركة تومسون في أيرلندا الشمالية أكثر من 650 شخصاً، ولكن في وقت كتابة هذه السطور، كانت الشركة قد أعلنت عن أكثر من 12 وظيفة شاغرة على موقعها الإلكتروني. ويقول ماك إيفي: “نحن في منافسة مع شركات تصنيع أخرى لمحاولة تأمين أفضل المواهب”.
ورغم هذا التحدي، وضعت شركة تومسون خطة مدتها 5 سنوات لمضاعفة إنتاجها السنوي من المقاعد. واصطحبني ماك إيفي في جولة في مصنع الشركة في بورتاداون، حيث ينشغل العمال بربط أجزاء المقاعد المصنوعة من الألومنيوم معاً، وفحص الأسلاك المعقدة لأنظمة الترفيه في هذه الهياكل الباهظة الثمن، ويقول ماك إيفي إن تكلفة تصنيع كل مقعد “عشرات الآلاف”.
ويضيف إيوين موراي، مدير العمليات، قائلا: “إن المقعد الموجود أمامك هو المقعد الأكثر تعقيدًا الذي نصنعه”. ويستغرق الأمر حوالي 100 ساعة حتى يتمكن العمال ذوو المهارات العالية هنا من تجميع المقعد بالكامل.
ويصر موراي على تعزيز معدل الإنتاج في هذا المصنع. وهو يعرض أداة تم تطويرها داخل المصنع، يمكن تركيب مقعد عليها وتعديل زاوية المقعد بحيث يتمكن العمال من الوصول بسهولة إلى الجوانب أو الجانب السفلي. ويقول موراي: “هذا يسمح لنا بالوصول إلى معدل 14 مقعدًا”، أي إنتاج 14 مقعدًا في نوبة عمل واحدة. ويضيف: “أحتاج إلى الوصول إلى 18 مقعدًا وإلى 20 مقعدًا”.
ولتحقيق هذه الغاية، هناك نسخة أخرى أكثر كفاءة من هذا الجهاز في الغرفة المجاورة، وهو نموذج أولي يأمل الموظفون هنا أن يكون أفضل. كما يعمل موراي وزملاؤه على تطوير ممارسات عمل جديدة مثل أحزمة الأدوات التي يتم ترتيب الأدوات فيها بالترتيب المطلوب.
فإذا كان العامل أعسر، فيمكن عكس تسلسل الأدوات بحيث تكون عملية التقاط الأداة وتنفيذ المهمة بها سريعة قدر الإمكان.
ويتدرب العمال هنا ويصقلون المراحل الرئيسية لتجميع المقاعد، مما يساعدهم على العمل بشكل أسرع. وأعتقد أن الأمر أشبه بتعلم كيفية بناء نفس قطعة أثاث مرارًا وتكرارًا حتى تصبح مثل ذاكرة العضلات، لكنها فقط أكثر تعقيدًا.
ويقول موراي: “نستطيع أن نوزع الموظفين بسلاسة، ويمكنهم الآن العمل خلال هذه المراحل المختلفة دون الحاجة إلى أجهزة كمبيوتر. عندما بدأت العمل هنا، لو أخبرني أحدهم أنني سأعمل بدون جهاز كمبيوتر، لكنت قد أخبرته بأنه مجنون”.
ويقول ماك إيفي إنه بالإضافة إلى الحجم، هناك ضغوط مستمرة لابتكار تصميمات جديدة وأفضل للمقاعد. وتريد شركات الطيران أحدث وأفضل تكنولوجيا الترفيه، فعلى سبيل المثال، أصبحت شاشات مقاس 32 بوصة الآن متضمنة في أفضل مقاعد شركة تومسون.
ويضيف ماك إيفي قائلا: ” نسعى جاهدين لتحقيق شيء مختلف، شيء يجعل مقاعدنا فريدة من نوعها حيث تستخدم شركة تومسون الجلود والأقمشة الناعمة في أجزاء مختارة من المقعد والغطاء لتوفير الشعور بالفخامة، وهو ما أصبح شائعًا بشكل متزايد بين شركات الطيران، كما يمكن للمقاعد نفسها أن تتحول إلى أسرة مسطحة بطول مترين”.
وقمت بتجربتها بنفسي وهي بالتأكيد مريحة، على الرغم من أنني ربما أضطر إلى الاستلقاء عليها لمدة 7 ساعات أو نحو ذلك لاختبارها بشكل صحيح، كما قلت لنفسي.
وفي إشارة إلى الشركات التي تتخذ من أيرلندا الشمالية مقراً لها والتي تصنع مقاعد الطائرات، تقول ماريسا غارسيا، المحللة المتخصصة في صناعة الطيران والتي كانت تعمل في تصنيع المقاعد بنفسها: “إنها شركات جيدة، بل شركات جيدة للغاية، إنها تعرف ما تفعله”. وتضيف أنها لا تربطها أي علاقة تجارية بأي منها.
ومضت قائلة إنه رغم الصداع الذي تعاني منه سلسلة التوريد، فإن مصنعي المقاعد في وضع جيد يسمح لهم بالتعويض، إذا أثبتوا قدرتهم على مواكبة متطلبات الصناعة.
وأوضحت غارسيا قائلة: “الطلب موجود من الركاب، وموجود أيضا من شركات الطيران”.