بقلم : مشعل السعيد
يقول الشاعر أبو العلاء المعري «كل من لاقيت يشكو دهره»، وقد يكون هذا الشطر من بيت الشعر حقيقة وواقعا، فكل يشكو همه إلى كل، ومن منا سالم من الهموم وحوادث الدهر، فالغني يشكو والفقير كذلك، والعليل يشكو والصحيح يشكو إلا من رحم ربي، ولو طبق المرء على نفسه قول المولى عز وجل: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون – الأنعام: 32).
وبيت أبي العلاء المعري كاملا:
كل من لاقيت يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لمن؟!
فسبحان من بيده ملكوت السموات والأرض! فهذه الدنيا لا تصفو لأحد، وقد وصفها أحد الصالحين فقال: «إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي»، والحقيقة ان الدنيا ركبت على النقص رحمة بنا، ولو جاءت لنا الأمور كما نشتهي لكانت مصيبة لأنه لو تمت لك الأمور كما تريد لركنت كل الركون للدنيا ولكرهت لقاء الله تعالى، فالدنيا سريعة الذهاب وشيكة الانقلاب، وقد أراد الله لنا الابتلاء لنصبر عند الابتلاء ونحتسب ونشكر عند الرخاء، وعندما حضر الموت معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
وما أجمل قول الشاعر في وصفه للدنيا:
إنما الدنيا فناء
ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت
نسجته العنكبوت
وأخيرا لنتأمل وصية لقمان الحكيم لابنه: «يا بني إن الدنيا بحر عميق غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل، وحشوها الإيمان بالله تعالى وشراعها التوكل على الله لعلك تنجو وما أراك ناجيا»، ودمتم سالمين.
