«إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً» – بقلم : الشيخة حصة الحمود السالم
يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم (إن الإنسن خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ـ المعارج: 19 – 23)، ما أبلغ هذا الوصف الرباني لطبيعة النفس البشرية الواهنة وما أقوى هذا العلاج الاستثنائي لداء الهلع والجزع والمنع وهو الحفاظ على الصلوات، حيث السجود والحضور والخشوع القلبي في حضرة الخالق ومعيته الذي بذكره سبحانه وتعالى تطمئن القلوب بعد الضيق من القيل والقال، حيث نجد المولى عز وجل في موضع آخر في كتابه الكريم يواسي حبيبه ومصطفاه بقوله تعالى في خواتيم سورة الحجر: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون (97) فسبح بحمد ربك وكن من السجدين (98) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
في ظلال هذه الآيات الكريمة أتذكر بحسرة ما آل إليه حال بعض شبابنا من الضيق والإحباط في زمن العولمة وتكنولوجيا الاتصالات التي اختطفت فطرتهم السوية بعيدا عن المنهج القرآني، وخاصة أن الأمم والحضارات لا تقوم لها قائمة إلا بوضع الأسس والقواعد السليمة لمكارم الأخلاق وحقوق الإنسان، وأهم ركائز أي بنيان حضاري في أي مجتمع هم الشباب، هم جيش المجتمع وشرطته ووقود انطلاقته، والاهتمام بهم وبما يقدم لهم يجب أن يكون في الأساس محتوى تثقيفيا قائما على كتاب الله وسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ونأمل أن يتعزز دور الدولة متمثلا في وزارة الإعلام في تقديم إعلام حقيقي مثمر بكوادر علمية متميزة قادرة على التأثير الإيجابي في نفوس الشباب وإنقاذهم من براثن الهم والضيق كنتيجة طبيعية تراكمية للتدفق المعلوماتي الذي تشوبه رائحة المصداقية أحيانا في إطار طرح إعلامي مخادع يدس السم في العسل مما ساهم في انتشار داء التضليل الإعلامي الذي تعددت أساليبه وتنوعت بتنوع وسائل الإعلام سواء التقليدي منها أو الجديد المعروف بـ «السوشال ميديا»، وكل ذلك يتم بهدف توجيه الرأي العام لأهداف خبيثة وتكبيل إرادة شبابنا وتشويه وعيهم وتعطيل طاقاتهم الإيجابية.
عندما تم تضليل شبابنا إعلاميا، ضاقت الصدور وامتلأت عيادات الطب النفسي بمرضى الاكتئاب، وانتشرت حالات الانتحار وتعاطي المخدرات، أقول ذلك ونحن بين أيدينا كتاب رب العالمين الذي فيه شفاء لما في الصدور باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالتسبيح والسجود لكي تتحقق الطمأنينة والسكينة، وأن نلبي نداء الحق مصداقا لقوله جل وعلا (فاسجد واقترب).
لذلك لم ولن نجد طريقة مثلى لتصحيح المسار والعودة لمكارم الأخلاق إلا في المنهج القرآني، فالقرآن الكريم هو دستور كل العصور والأزمان وهو الحصن الحصين والأمن والأمان، وصدق د.مصطفى محمود، رحمه الله، حينما وصف القرآن في كتابه «القرآن كائن حي» وبأنه يتميز بالبنية الهندسية والترابط اللغوي المعجز، وأن كل ما جاء قبل القرآن وبعده لم يخرق حرفا واحدا فيه، وقد وصفت السيدة عائشة رضى الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن خلقه القرآن، وأنه كان قرآنا يمشي على الأرض.
لذلك يجب اختيار المواضيع الجادة في كافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة وتخصيص مساحة زمنية كافية في أوقات مناسبة وبالتعاون مع الوزارات والهيئات المختلفة، والأهم اختيار الكوادر المتميزة بعيدا عن المجاملات.
ونصيحتي للشباب أن التزموا بأداء الفروض، وحافظوا على الصلوات وخاصة صلاة الفجر والتي قال عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»، وهي ليست فقط عبادة تسمو بأرواحنا إلى عنان السماء قبل شروق شمس يوم جديد، ولكنها أيضا نقطة بداية تنظيم الساعة البيولوجية في جسم الإنسان من حيث انضباط الدورة الدموية واتساع الشرايين عند الاستيقاظ المبكر مع الحركة والنشاط، وبالتالي الوقاية من الجلطات القلبية والسكتات الدماغية.
وسبحان الخالق مدبر كل شيء الذي جعل الخير كله في الاستقامة والالتزام بالكتاب والسنة، سبحانه وتعالى أحكم كل شيء خلقه.
ونسأل الله العفو والعافية، وأن يحفظ شبابنا من كل سوء.