كان يقال في الأمثال: من جاد ساد ومن ساد قاد ومن قاد بلغ المراد، وجاد بمعنى تكرّم وأعطى بطيب نفس، وساد بمعنى غلب وصار سيدا، وكان حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما يقول: سادة الدنيا الأسخياء وسادة الآخرة الأتقياء، وقال ابوالفتح البستي:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وعلى الضد مما ذكرت قالوا في الأمثال: من بخل رذل، فالرجل الجواد الكريم يعظم شأنه بين الناس، بينما البخيل لا قيمة له عندهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها» فالكرم من معالي الأخلاق، انظروا إلى حاتم طي منذ متى مات؟ ولايزال الناس يتحدثون عنه حتى اليوم.
وأجود الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن أراد أن يسهل الله تعالى قضاء حاجاته فليعن الناس على قضاء حوائجهم، فالجزاء دائما ما يكون من جنس العمل، والكريم دائما يكون الله معه، وهو موفق مسدد.
تأملوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان أكرم الناس وأجودهم ومع ذلك توفي ودرعه مرهونة عند يهودي وقد ملك جزيرة العرب.
وروي عن الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه وردتها ثمانون ومائة ألف درهم فما أمست إلا وقد فرقتها وأفطرت على خبز وزيت فقالت لها خادمتها درة: ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكرتيني لفعلت.
إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، فالجود حارس الأعراض، وهو حسن ظن بالله تعالى، ومن كمال الإيمان وحسن الإسلام، ومن صور الكرم ايضا أن قيس بن سعد بن عبادة مرض، فاستبطأ زيارة أصحابه فسأل عن السبب فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالا يمنع إخواني من زيارتي، فأمر مناديا ينادي من كان عليه لقيس بن سعد حق فهو منه بريء، فانكسرت درجة بابه لكثرة من زاره. ودمتم سالمين.
