النهوض باللغة العربية في البحث العلمي – بقلم : دلال أنور الشرهان
تواجه اللغة العربية تحديات متزايدة في مجال البحث العلمي والأكاديمي، خاصة مع تزايد الاعتماد على المجلات الأجنبية والنشر باللغة الإنجليزية في المؤسسات الأكاديمية في الكويت، مثل جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب. في الوقت الذي يتم فيه دفع الباحثين للنشر في مجلات أجنبية مرموقة كمعيار للتميز الأكاديمي، يتعرض النشر باللغة العربية والمجلات العلمية العربية لتهميش متزايد، مما يثير تساؤلات جوهرية حول مكانة اللغة العربية في العلوم ودورها في إثراء المجتمع الأكاديمي.
لا شك أن اللغة الإنجليزية أصبحت لغة العلوم العالمية، وهي وسيلة فعالة للوصول إلى جمهور أوسع وتعزيز التبادل المعرفي. لكن التركيز المفرط على النشر باللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية يحمل في طياته خطر تهميش الهوية الثقافية والعلمية للباحثين العرب، ويفضي إلى تقليص المحتوى العلمي المتاح باللغة العربية. وهنا يبرز التساؤل: هل هجر النشر باللغة العربية هو الحل الأمثل لتعزيز جودة الأبحاث في العالم العربي؟
الاعتزاز باللغة العربية.. مسؤولية علمية وثقافية: اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء للهوية الثقافية والحضارية للعرب. الاعتزاز بها وإثراؤها بالمصطلحات والمفاهيم العلمية الحديثة يعزز من مكانتها ويضمن استمرارية قدرتها على مواكبة التطورات العلمية. وفي هذا السياق، يجب أن ينظر إلى تعزيز البحث العلمي باللغة العربية على أنه التزام أخلاقي وثقافي قبل أن يكون خيارا أكاديميا. فالمجتمعات التي تتجاهل لغتها الأم في البحث العلمي تخاطر بفقدان جزء من هويتها، وتجعل من العلوم والمعرفة مجالا محصورا لفئة من النخبة المتقنة للغات الأجنبية.
المجلات العلمية العربية.. تحديات وفرص: قد تكون جودة بعض المجلات العلمية العربية أقل من نظيراتها العالمية، لكن الحل ليس في هجرانها بل في رفع مستواها العلمي وتحسين نظم مراجعة الأقران فيها. يمكن للمؤسسات الأكاديمية والبحثية في الكويت مثل مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، معهد الكويت للأبحاث العلمية، جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب أن تلعب دورا محوريا في هذا الاتجاه، من خلال:
1 ـ تشجيع النشر في المجلات العربية المرموقة: يجب أن تعطى الأفضلية أو التقدير للباحثين الذين ينشرون في مجلات عربية ذات جودة عالية، مع تقديم حوافز تشجيعية للنشر باللغة العربية.
2 ـ تطوير المجلات المحلية: دعم المجلات العلمية العربية ماديا ومعنويا لتحسين معاييرها، مع التركيز على استقطاب الباحثين المتميزين لنشر أبحاثهم فيها.
3 ـ إثراء اللغة بالمصطلحات العلمية: العمل على ترجمة المصطلحات العلمية الجديدة وصياغة معايير توحيدية للمصطلحات العربية، بما يسهم في تيسير النشر والبحث باللغة العربية.
4 ـ تنظيم ورش تدريبية: تقديم دورات تدريبية للباحثين الشباب حول أهمية النشر باللغة العربية وكيفية كتابة أبحاث علمية ذات جودة عالية باللغة الأم.
الانفتاح دون تهميش: ليس المقصود هنا إلغاء النشر باللغة الإنجليزية أو التقليل من أهميته، بل المقصود هو تحقيق التوازن بين الانفتاح على العالم والاعتزاز بالهوية اللغوية. من المهم أن تظل اللغة العربية قادرة على التعبير عن العلوم الحديثة وأن تكون مصدرا للمعرفة لجميع الناطقين بها. كما أن وجود أبحاث علمية متميزة باللغة العربية يسهم في تعزيز مكانتها دوليا ويضعها في مصاف اللغات العالمية المؤثرة.
نحو مستقبل أكثر إنصافا: في النهاية، يتطلب النهوض بالمجلات العلمية العربية وتطوير البحث العلمي باللغة العربية إرادة جماعية وجهودا متضافرة من المؤسسات الأكاديمية، الباحثين، ودور النشر. إن الاعتراف بأهمية اللغة العربية في البحث العلمي ليس مجرد خطوة نحو تعزيز الهوية، بل هو ضرورة لضمان شمولية العلم والمعرفة لجميع شرائح المجتمع. إن الحل لا يكمن في هجر اللغة العربية، بل في تعزيز مكانتها والنهوض بها لتصبح لغة علم كما كانت في عصور النهضة الإسلامية. على المؤسسات الأكاديمية أن تعيد النظر في سياساتها وتشجع الباحثين على النشر بلغتهم الأم، مع توفير الدعم اللازم لضمان جودة الأبحاث والمجلات. فقط من خلال هذه الجهود المتكاملة يمكن أن تحقق اللغة العربية مكانتها المستحقة في العالم الأكاديمي.