يختلف مفهوم النضج في علم الاجتماع وعلم النفس، كل على حدة، لكن ما بين هذا وذاك لا بد أنه ثمة أساسيات وجب أن نتفق عليها، يرى علماء النفس أن النضج هو حالة من التوافق تشير إلى اكتمال وتناغم العمل ما بين الوظائف العقلية، والجسدية، والفسيولوجية، والروحية، والاجتماعية، بصورة تمكنه من فهم الحياة بتناقضاتها المختلفة والمعقدة، وكذلك الاستقلالية في التحكم بشؤونه واتخاذ القرارات المصيرية المعقولة والمنطقية والسليمة في حياته بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم.
فعندما تنضج، سيقل الأصدقاء، وسيكثر المعارف، سيقل الباقون، ويكثر العابرون، عندما تنضج ستتضاءل رغباتك وستكتفي بالقليل وكلما قلت حاجاتك أمسيت أفضل حالا.
يقول الروائي ديستويفسكي: «ستصل يا هذا إلى النضج الذي يجعلك ترفض التورط بعلاقة مؤقتة أو صداقة باردة أو جدال أحمق أو التعلق بالزائفين».
عندما تنضج ستحمي خصوصية حياتك كأغلى ما تملك لكي لا يفسدها فضول الناس.
ستترك الجدال حتى لو كنت متأكدا من رأيك، عندما تنضج لن يعود لحكم الآخرين عليك سلطة أو معنى.. ستضحك كلما انتقدوك.. ستبتعد إذا عاندوك.. ستشفق عليهم بشدة إذا عادوك أو حقدوا عليك.
عندما تنضج، ستتقن فن الهرب من العلاقات المؤذية كما تهرب من العاصفة.
عندما تنضج، ستعطي لأنك تريد أن تعطي، بمحض إرادتك من تلقاء نفسك بلا إكراه، عندما تنضج ستنتزع ما تريده من الحياة انتزاع الشجعان الذين يعرفون ما لهم وما عليهم.
النضج هو مسألة كيف تعامل نفسك والآخرين، إنها الطريقة التي تفكر وتتصرف بها على حد سواء، لذلك تجد أناسا كبارا في السن ويتصرفون بتصرفات صبيانية وعشوائيين لدرجة ما، كما نجد فئة أخرى صغارا في السن وتراهم ناضجين عاقلين ويتصرفون بحكمة غريبة.
النضج غير مادي، بل حسي، نحسه ونشعر به ونلاحظه ولا نستطيع تقييمه.
عندما تنضج ستسامح أكثر، ستتغافل، ستتجاهل، ستضحك دون حذر.
عندما تنضج، ستقرأ أكثر وتحاول أن تكتشف ذاتك أكثر.
النضج منطقة جميلة وقد يصبح المرء في الستين من عمره دون الوصول إليها، لأنه كان يبحث عن نفسه في الأماكن الخطأ ويحيطها بالأشخاص الخطأ.
النضج في الأخير قرار شخصي واجتهاد بشري يستطيع أي منا الوصول إليه، ما دمت حيا بإمكانك أن تسيطر حتى على بعض انفعالاتك وحركاتك وكلماتك، تصرفاتك، أسلوبك.
فراجع نفسك وعش حياتك.
