هذه مقولة أصلها: فاقد الشيء لا يعطيه، وكثير من الأقوال الدارجة مختلف عليها، مثلما أن هناك اقوالا مسلما بها ولا يختلف عليها اثنان، وحديثي حول الأقوال القابلة للنقاش والأخذ والرد، وهذه المقولة (فاقد الشيء قد يعطيه) قد تبدو محيرة بعض الشيء، ما جعل الناس تختلف عليها، بين مؤيد ومعارض ونحن نحترم الرأي والرأي الآخر، فلكل رأي أسبابه ودواعيه ومبرراته، وكي نتفق ولا نختلف لابد لنا من مناقشتها بالتفصيل، ووضع النقاط على الأحرف، كي تكون الصورة واضحة أمامنا، والسؤال المستحق هنا: هل فاقد الشيء يعطيه أم أنه لا يعطيه؟
والإجابة عن هذا السؤال مفادها أن هذا المثل إن جاز التعبير ليس مطلقا في كل الأحوال، ولو سلمنا مجازا بصحة المثل الأصلي لقلنا إن فاقد العلم لن تأخذ منه علما، وهذه حقيقة ثابتة، وكذلك فاقد المال لن يعطيك مالا، لأنه في الأساس لا مال لديه، وعلى العكس مما ذكرت فإن فاقد الحنان والعطف في صباه يعرف قيمة العطف والحنان وأهميته في تكوين أبنائه، لذلك تجده يغدق على أبنائه الحنان الذي فقده في صباه، حتى لا يذوقوا التجربة المريرة التي مر بها.
صحيح ان من لا يملك شيئا لايستطيع أن يعطيه غيره ولكن الأمور متفاوتة، فهناك أناس لم يأخذوا قسطا وافرا من التعليم لظروف خارجة عن إرادتهم، هؤلاء الناس نجدهم أحرص ما يكونون على تعليم أبنائهم، ونيلهم الشهادات العليا ومتابعتهم أولا بأول، وبالفعل تجد فيهم من تفوق ونال الامتياز مع مرتبة الشرف، وكذلك قد يمنحك الأمل مَن داخله إحباطا، كي لاتصل إلى ما وصل إليه، وقد يدلك على طريق النجاح من لم ينجح، وتجد من حرم من الإنجاب أحنى الناس على الأطفال.
يقول جبران خليل جبران حول ذلك: فاقد الشيء يعطيه بالشكل الذي تمنى أن يحصل عليه، وكما نعلم فلكل قاعدة شواذ، من هنا يتبين لنا عدم الجزم بهذه المقولة، ففاقد الشيء قد يعطيه بالشكل الذي كان يتمنى أن يحصل عليه، ودمتم سالمين.
