د. محمد عبد المحسن المقاطع: مقاعد نيابية للبيع
الكويت – النخبة:
المصدر – القبس:
يستغرب الكويتيون النمط السائد لبعض أعضاء مجلس الأمة اليوم، فقد أضحى هذا النمط يرى أن مقعده النيابي في حقيقته ليس مقعد تكليف ومسؤولية، ولا مقعدا شعبيا وغاية وطنية، بل هو مقعد للتكسب الشخصي والمالي، ومقعد للرهن من أجل الحصول على مكاسب مستقبلية، وهذا هو مكمن العلة اليوم في بعض أنماط العضوية النيابية.
فهناك من باع مقعده مسبقا قبل اكتسابه للعضوية النيابية، وهؤلاء ليسوا بقلة فترشحهم للانتخابات فيه مجاهرة بالفساد مسبقا بان مقعدهم النيابي معروض للبيع، وهناك من يشتري منهم مقاعدهم مقدما ويدفع لهم ليكونوا طوال مدة عضويتهم رهن إشارته.
ولدينا من هذا النمط مجاميع متعددة من الاعضاء، التي عقدت صفقة البيع تلك لشخصية متنفذة، وهناك من يبيع مقعده بعد اكتساب العضوية سواء طوال مدتها أو حسب الموضوعات والمشروعات والقوانين او الاستجوابات التي تطرح على المجلس، لكل منها تسعيرته وصفقته، وقد بدأ هذا النمط من بعض الأعضاء بالظهور على استحياء منذ مجلس ١٩٩٢، وبدأت أعدادهم بالتزايد حتى وصلنا الى مجلس ٢٠٠٩ ثم مجلس ٢٠١٣ والمجلس الحالي، فالناس يتحدثون عن أنماط بياعة المقعد النيابي أو القبيضة بصورة تفصيلية ومعروفة.
وهو قد نعتبره سبب تراجع أداء مجلس الأمة وضعفه وصيرورته تبعا لأصحاب النفوذ أو للسلطة التنفيذية بكل أسف، ولعل ما قاله يوما من الأيام الشيخ أحمد العبدالله يوم أن كان وزيرا قد أصاب كبد الحقيقة، حينما قال: للسؤال البرلماني والاستجواب وغيرهما ثمن محدد، وهو ما أكدته استبيانات الرأي العام الرسمية والخاصة التي تؤكد تزايد نوع وأنماط التكسب السياسي الذي أفسد الحياة البرلمانية في الكويت.
إن تردي الاداء البرلماني، الذي أوجد على الساحة نوابا هم أقرب الى السماسرة من قناصي الفرص ومن الذين يبحثون عن العطايا ويلهثون وراء من يشتري مقاعدهم، ويزايدون على مسؤوليات عضويتهم في كل رأي وموقف وتصويت وقضية تطرح على البرلمان، حتى فيمن كان يظن الناس بهم الخير أو النزاهة أو الحس الوطني، فقد صدم الناس أنهم يساومون على مقاعدهم النيابية أحيانا بالتكسب السياسي او بتعيين الأقارب أو الأصحاب بالمناصب، وأحيانا لأخذ مشروعات وعقود وامور ليس لهم حق فيها لهم شخصيا أو لناخبيهم، وقد سمعنا مؤخرا من قال انه انتظر عطايا ولَم يحصل عليها.
فقد شاعت حال الضعف والتردي في العمل الوطني على العديد من المستويات، حتى من معظم النخب المثقفة او الكتل والمجاميع السياسية ومن بعض الشخصيات النيابية المستقلة ولحق نوابهم بتلك الأنماط من النواب، كما سبقهم معظم نواب الاستقطاب الفئوي عائليا او قبليا أو طائفيا في ادائهم المتراجع، الذي انعكس على مجالس الأمة في السنوات القليلة الماضية، فقد انزوى وتوارى الرجال من النمط الوطني الذي كان الوطن ومشروعه وقضاياه هي غايتهم وهمهم ليل نهار، وظهر الى السطح نواب بعضهم من المتاجرين ببيع مقاعدهم البرلمانية.
وهو الذي انعكس على تزايد الفساد بالبلد وتراجع أداء بعض سلطاته ومؤسساته، بل ونخر كل مقومات القوة والنهوض للدولة، لكن لن نيأس من وطننا، لانه وطن ولاد، فلئن تعمد البعض أن ييأس الناس من وطنهم فنحن لن نيأس، بل نؤمن أن الخير بالوطن وأبنائه أكبر، وأن عجلة الإصلاح حتما قادمة، بل ربما تكون أيامها أقرب مما نتصور وستشرق شمس الخير وإعادة الوطن الى سابق عهده قريبا، فيعود الرجال المخلصون وينزوي بل ويختفي أشباههم ممن يتسيدون الساحة اليوم، فدوام الحال من المحال.
أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع