الكويت– النخبة:
المصدر – الراي:
عن عمر ناهز 94 عاماً، ترجّل «كحيلان» عن صهوة الدنيا، ليغادر بهدوء وهو الذي ملأ العالم صخباً وضجيجاً، في مرحلة من مراحل حياته، يرحل وقد ترك إرثا كبيرا وأثرا لن ينساه الكويتيون خاصة، بعدما أعاد لهم بلادهم وأعادهم إليها.
إنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، الذي عرف بين الكويتيين بلقب «كحيلان»، والذي أعلنت وفاته ليل الجمعة الماضي.
رحل رجل عاصر كل حروب العالم المعاصر، هو من المحاربين القدامى، ويمكن اعتباره عراب العالم الجديد، الرجل الذي انتصر على الاتحاد السوفياتي، الجمهوري الحديدي الذي لم يتردد في اتخاذ قرار تاريخي ومصيري تمثل في دخول حرب ضروس ضد قوات صدام لطردها من الكويت.
لا ينسى الكويتيون، ممن عاصروا فترة الغزو، عبارات بوش الأب القوية في خطاب اعلانه الحرب على صدام، للخروج فورا من الكويت، قال حينها بهذه العبارات مخاطبا صدام «غادر الكويت أو ستطرد منها» مضيفا في خطابه آنذاك انه «لم يكن سهلا على أي رئيس ارسال بنات وأبناء الشعب الى الحرب». لكن كانت المهمة تاريخية حسب ما كان يعتبر جورج بوش الأب، ولأجل ذلك قام حسب قوله باتصالات بزعماء الأرض يقنعهم بضرورة تخليص الكويت من سطوة نصف مليون جندي عراقي غزوا الكويت في 1990 دفعة واحدة. وفي عهده كان اول دخول فعلي لقوات تحالف دولية في شؤون الشرق الأوسط. هذا الرجل وان رحل بوفاته بسبب امراض مزمنة، الا ان تاريخه حافل بانجازات بعضها غير الولايات المتحدة والعالم والشرق الأوسط.
رحل جورج بوش الأب لتبقى عباراته ومواقفه وشجاعته تخلد ذكرى لا يمكن أن ينساها الكويتيون، الذين تضرروا من غزو صدامي غاشم، بفضل جرأة بوش الأب في وقت تردد فيه زعماء آخرون في اتخاذ قرار طرد صدام من الكويت.
إنه أحد المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية، عاصر اهم مراحل الحرب الباردة منذ الخمسينات، ولكنه كان الرئيس الأميركي الذي انهى الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي وهو الذي كان له شرف إعلان اميركا القطب الوحيد والأقوى في العالم، ليصبح العالم تحت ادارة عليا من واشنطن التي هيمنت أكثر فأكثر عسكريا واقتصاديا.
كما ان جورج بوش الأب باتخاذه قرار الحرب من أجل تحرير الكويت كان إثباتاً قوياً للبرهنة على قوة الولايات المتحدة ومد نفوذها في الشرق الأوسط.
تحرير الكويت والنظام العالمي الجديد
على إثر غزو الكويت، اعتبر بوش أن من يقف مع أميركا لتخليص الكويت من احتلال صدام فهو يقف مع محور الخير اما صدام وغيره فهو يمثل محور الشر، وقد اعتبر بوش صدام مثل هتلر، ولذلك كان بوش مقتنعا في وقت مبكر أن العمل العسكري وحده من شأنه أن يجبر صدام على التراجع.
يذكر مستشارو بوش على موقع «هيستوري بلايس» أن «الرئيس كان مصرا على ان الحرب ضد صدام لا ينبغي أن تتجاوز تفويض مجلس الأمن».
وهكذا بدأت حرب الخليج التي فاز بها بسرعة في تحالف عالمي بقيادتين… أميركية وسعودية. وقد أنهى التحالف الدولي الحرب وأعاد الكويت لأهلها. وبسبب هذا النجاح العسكري كان الأميركيون يحبون رئيسهم بوش، ولكن المشاكل الاقتصادية سببت فشله في الانتخابات الرئيسية عام 1992 الذي هزمه فيها الرئيس بيل كلينتون.
وكان بوش الأب أيضاً من الذين أسهموا في صناعة تاريخ جديد للتعاملات الاقتصادية، بإدخال العالم في الثمانينات من القرن الماضي في الاقتصاد الحر، مع تقليص دور الدولة في الاقتصاد ايام كان نائبا للرئيس رونالد ريغان، حيث اتخذ الاخير قرارات بمعية مارغريت تاتشر لاصلاح الاقتصاد العالمي الذي كان يعاني انذاك من تزايد البطالة والركود. وكان ريغان ونائبه بوش من المتحمسين لترويج النظام الرأسمالي في الثمانينات في اطار الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي انذاك، المعتمد على النظام الاشتراكي الذي تهيمن فيه الدولة على الاقتصاد.
وخلال رئاسته وقعت أحداث عالمية كبرى، فقد انهار المعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد السوفياتي إلى دول صغيرة، كما ناصر بوش الأب الحركات الانفصالية داخل الاتحاد السوفياتي، ومن أكثر إنجازات بوش أنه استطاع أن يحافظ على الترسانة النووية السوفياتية من أن تصل إلى أيد عابثة، ويعتبر الرئيس بوش الأب صاحب عبارة «النظام العالمي الجديد».
من رجل أعمال إلى أهم رجال السياسة
ولد جورج بوش في 12 يونيو 1924 لبرسكوت بوش ودورثي والكر، ونال تعليمه الأولي في مدرسة جرينويتش وعندما أكمل عامه الثالث عشر انضم إلى أكاديمية فيليبس، وهي مدرسة إعدادية للبنين في أندوفر لا تقبل أن يلتحق بها إلا المتفوقون من أبناء الطبقة الأرستقراطية، كما انتخب ثاني شخصية لها تأثير في المدرسة وثالث أحسن رياضي وثالث طالب أكثر وسامة. وفي المرحلة الجامعية التحق بوش الأب بجامعة ييل المرموقة، لكن الحرب العالمية الثانية قطعت دراسته، إذ قرر الانضمام للقوات المسلحة الأميركية، وبعد الحرب عاد ثانية إلى الجامعة، وكان في ذلك الوقت متزوجا فحضر برنامجا مكثفا لمدة عامين ونصف العام وتخصص في مجالي الاقتصاد والاجتماع.
وبعد تخرجه في جامعة ييل عام 1948 رفض بوش أن يعمل مع والده، وفضل أن يبدأ حياته معتمدا على نفسه، وفكر في أن يتجه للعمل في مجال الزراعة، إلا أنه لم يتوافر له رأس المال الكافي لبدء مشروعه، كذلك لم يرد أن يحصل على المال من عائلته، وفي النهاية وافق على عرض من صديق العائلة نيل مالون بأن يدخل مجال صناعة البترول، مع الشركة الدولية لأجهزة ومعدات آبار البترول إيديكو في غرب تكساس.
وفي عام 1950 أسس بوش شركة أطلق عليها «بوش اوفرباي اويل ديفلومبومنت». وحتى فبراير عام 1966 كان بوش الأب أصبح عضوا فعالا في أنشطة الحزب الجمهوري، إذ قام بحملة انتخابية في ميدلاند لمصلحة دويت إيزنهاور بين عامي 1952– 1956 ثم أصبح رئيسا للحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس في الفترة من 1963 حتى 1964.
وفي عام 1966 رشح الحزب الجمهوري بوش ليمثله في مجلس النواب عن دائرته الانتخابية بولاية تكساس، فقاد حملة انتخابية ناجحة اتسمت بالشباب والحيوية شعارها (انتخب جورج بوش وراقب ما سنفعله) وخلال الموسمين اللذين قضاهما في المجلس ساند حرب فيتنام وأيد تخفيض سن التصويت في الانتخابات إلى سن الثامنة عشرة، وترأس مجموعة من نواب الحزب الجمهوري بهدف المحافظة على البيئة، كما حاول التأثير على الرئيس نيكسون لتخفيض الضرائب على العاملين المستقلين في مجال البترول.
وفي عام 1971 أراد الرئيس نيكسون أن يعين جورج بوش رئيسا لوكالة الفضاء والطيران الأميركية «ناسا» ولكن بوش طلب أن يعين ممثلا للولايات المتحدة الأميركية لدى هيئة الأمم المتحدة بدرجة سفير، فوافق نيكسون على طلبه، وفي عام 1976 قام الرئيس فورد بتعيين بوش رئيسا لوكالة المخابرات المركزية (سي أي أي)، وفي الثالث عشر من يوليو عام 1985 عينه الرئيس رونالد ريغان قائما بأعمال الرئيس لمدة ثماني ساعات كانت تجرى خلالها عملية جراحية لريغان لإزالة ورم سرطاني في الأمعاء، وقد قضى بوش معظم هذا الوقت في لعب التنس والنوم في مقر نائب الرئيس.
وعلى الرغم من تزامن ولاية الرئيس جورج بوش الأب مع تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي، وانفراد الولايات المتحدة بالأحادية القطبية لتصبح قائد العالم الأوحد، إلا أن هذا لم يظهر له أثر خلال ولايته، كما أن ميراث بوش من سابقه رونالد ريغان الذي كان بوش نائبا له على مدار فترتي ولايته، كان ثقيلا، حيث تضاعف الدين العام ثلاث مرات مما كان عليه خلال 1982.
وقد أعلن بوش خلال الحملة الانتخابية أنه سيحارب العجز، وفي البداية بدأ في إقناع أعضاء الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ ليشاركوا في وضع الميزانية مع الحزب الجمهوري، معتقدا أن ذلك أفضل وسيلة لخفض الإنفاق الحكومي، في الوقت الذي كان يقتنع فيه الديمقراطيون أن أحسن الوسائل لخفض العجز هو رفع الضرائب، ليجد بوش نفسه في مأزق توفيق الآراء بين كلا الحزبين.
وشهد عهد بوش انتهاء الحرب الباردة بفوز المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كما أزاحت دول كثيرة الأنظمة الشيوعية عن سدة الحكم، مثل بولندا ورومانيا، كما ساند بوش الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق، وساعد على الاعتراف باستقلالها وحكوماتها الشرعية الجديدة، في المحافل الدولية كما قدم إليها القروض لمساعدتها على بدء بناء نظام اقتصادي حر.
الغانم: لا يمكن للشعب الكويتي أن ينسى هذه الشخصية
في السادس من أكتوبر العام الماضي، زار رئيس مجلس الامة مرزوق الغانم الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب، في مقر اقامته بمدينة بورتلاند بولاية ماين الأميركية، وسلّمه رسالة خطية من سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد، يعبّر فيها عن تمنياته الخالصة بالشفاء العاجل له ويؤكد فيها تقديرنا ككويتيين لدوره البطولي أثناء تحرير الكويت.
وقال الغانم، في تصريح بعد اللقاء، إن بوش الأب شخصية لا يمكن للشعب الكويتي أن ينساها لدورها المحوري في تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت.
وأضاف «في لمسة وفاء تعبر عن أصالة الشعب الكويتي تجاه شخصيات لن ننساها، تشرفت مع زميلي عضو الشعبة البرلمانية النائب يوسف الفضالة بتسليم الرئيس رسالة من سمو الأمير».
تأبين… ومحطات
السفارة الأميركية تتلقّى التعازي اليوم
نعت السفارة الأميركية في الكويت الرئيس الأسبق جورج بوش الأب. وتقدّم السفير لورانس سيلفرمان وموظفو السفارة بخالص تعازيهم لأسرة الرئيس السابق. وأعلنت السفارة أنها ستخصص ثلاثة أيام، لاستقبال التعازي لكل من يرغب في زيارة السفارة والتعبير عن تعاطفهم وتكريم ذكراه في كتابٍ للتعازي، ابتداءً من اليوم الأحد من الساعة 1 ظهراً إلى الساعة 4 عصراً، وغداً الإثنين من 10 صباحاً إلى 2 ظهراً والثلاثاء من الساعة 10 صباحاً حتى 2 ظهراً في مقر السفارة في بيان.
بوش الابن يعلن الوفاة: كان أفضل أب يتمناه أي ابن
قال الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش الابن، في بيان نشره الناطق باسم العائلة على موقع تويتر، «يحزننا أنا وجيب ونيل ومارفن ودورو أن نعلن وفاة والدنا العزيز بعد 94 عاما مميزة». وأضاف أن والده جورج هربرت ووكر بوش «كان من أرفع الشخصيات وأفضل أب يتمناه أي ابن أو ابنة».
ترامب ينعى الراحل: شكّل مصدر إلهام للأجيال
قال الرئيس الاميركي دونالد ترامب، في بيان من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، حيث كان يحضر أمس قمة مجموعة العشرين، ان جورج بوش الاب شكل عبر «أصالته وروحه والتزامه الثابت بالايمان والعائلة وبلده» مصدر الهام لأجيال من المواطنين الأميركيين. واضاف ترامب «لقد قاد بوش أمتنا والعالم اجمع بحكم سليم ومنطق وقيادة لا تهدأ الى خاتمة سلمية ومنتصرة للحرب الباردة كما مهد الطريق لعقود من الازدهار من بعده».
أوباما: أميركا خسرت رجلاً وطنياً وخادماً متواضعاً
أكد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن «أميركا خسرت رجلا وطنيا وخادما متواضعا»، مشيدا بعمله الذي سمح «بخفض آفة الأسلحة النووية وتشكيل تحالف دولي واسع لطرد ديكتاتور من الكويت». ورأى أن ديبلوماسية جورج بوش الأب ساهمت في «إنهاء الحرب الباردة من دون إطلاق رصاصة واحدة».
أطول رؤساء أميركا عمراً
الرئيس بوش الاب يعد أطول رئيس أميركي يعيش في التاريخ، انتخب رئيسا للولايات المتحدة لفترة ولاية واحدة، إثر حصوله على 53 في المئة من اصوات الناخبين، وفوزه في 40 ولاية ونيله 426 صوتاً بالمجمع الانتخابي. وأصبح أول نائب رئيس ينتخب رئيسا للولايات المتحدة منذ ان خلف مارتن فان بورين الرئيس أندرو جاكسون في عام 1837.
10 محطات في حياة الراحل
• 12 يونيو 1924: ولد جورج هربرت ووكر بوش في مدينة ميلتن بولاية ماساتشوسيتس.
• 1942: تطوع بوش في البحرية الأميركية وكان أصغر طياريها سنا. وقد تم تسريحه في 1944.
• 1945: تزوج من بربارا بيرس ورزقا بستة أولاد هم جورج دبليو بوش الذي أصبح رئيسا، وروبن الذي توفي عن ثلاث سنوات، وجون الملقب «جيب» الذي أصبح حاكم فلوريدا، ونيل ومارفن ودوروثي.
• 1953: أسس جورج بوش الأب شركة زاباتا النفطية، حيث صنع ثروة كبيرة.
• 1971-1967: شغل مقعد ولاية تكساس في مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري.
• 1973-1971: شغل منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة.
• 1977-1976: مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه».
• 1989-1981: شغل منصب نائب الرئيس في عهد رونالد ريغن بعدما كان خصمه في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في 1980. ثم أصبح رئيسا للولايات المتحدة بين عامي 1989-1993.
• في أغسطس 1990، وبعد غزو القوات العراقية للكويت، تولى قيادة تحالف دولي قام بتحرير الكويت في فبراير 1991، بعد حرب أطلق عليها اسم «عاصفة الصحراء».
• 1992: ترشح لولاية رئاسية ثانية، لكنه هزم أمام الديموقراطي بيل كلينتون الذي تولى مهامه رسميا في 20 يناير 1993.
