طلال عبدالكريم العرب يكتب: «سلفة» الرئيس عبدالناصر
الكويت – النخبة:
المصدر – القبس:
قيل الكثير عن جمال عبدالناصر، فهو أول حاكم عربي لمصر منذ مئات السنين، ورغم ما شاب فترة حكمه من أخطاء امتدت من تقلُّده الرئاسة رسمياً سنة 1956 وحتى وفاته في 28 سبتمبر 1970، فإن حتى الكارهين له لا بد أن يقرُّوا بنظافة يده ونزاهته، في ما خص المال العام، ويكفي أن نعرف بأن ما ورثته أسرته من ثروة كان عبارة عن 3700 جنيه، وبضعة أسهم في شركات مصرية، وشهادات تأمين بمبالغ بسيطة، إضافة إلى سيارته الأوستن التي امتلكها قبل الثورة.
وهناك رواية طريفة عن نزاهة عبدالناصر ذكرها السيد حسن زكي، أذكرها هنا بلهجته وبتصرُّف، يقول فيها: عندما كنت رئيساً لبنك مصر، اتصل بي سامي شرف، سكرتير الرئيس جمال، وطلب مني الحضور لمقابلته، فذهبت إليه وأنا أرتعش رهبة لقوة شخصيته، فقال لي: اجلس يا حسن، فجلست، وقلت له: خير يا ريس، فقال: خير يا حسن، ثم سألني: لو موظف كبير في الدولة أراد أن يعمل سلفة من البنك ايه هي الاجراءات؟ فقلت له مين ده الموظف اللي سيادتك جايبني هنا وبتوصي عليه؟ ففوجئت به يقول: أنا، فقلت: له سيادتك يا ريس؟ فقال لي: أيوه، مش أنا موظف في الدولة، وباخد 500 جنيه مرتب؟ المهم رديت عليه: حاضر يا ريس، وحسبت له القرض فطلع 7200 جنيه، فقال لي: بس أنا عاوز 10000 جنيه علشان هاجوز بنتي؟ فقلت له: ممكن لما يبقى الشخص مضمون نرفع مبلغ القرض، وسيادتك رئيس الجمهورية.
يقول: فطلبت من الريس صورة البطاقة العائلية، واستمارة طلب قرض موقع منه، ففعل ما طلبت، ثم أخذت الأوراق وانصرفت، وفي اليوم التالي أخذت الفلوس وتوجهت بها الى مكتب سامي شرف، جلست لحظات في مكتبه، فرأيت المشير عبدالحكيم عامر قادماً، وكان يعرفني شخصياً، فسألني: بتعمل ايه هنا يا حسن؟ فاضطررت أن أقول له ما جرى، فهاج عامر، وقال لي: ناصر يستلف؟ ده أنا عندي ميزانية في الجيش مفتوحة أعطيه منها ما يريد، ودخل عامر لعبدالناصر وأنا واقف أنتظر ما يسفر عنه لقاؤهما، إلا أن عبدالناصر أشار وقال: تعال يا حسن، وكان واضحاً أنه رفض عرض عامر له، فدخلت وأعطيته المبلغ، فوقع استمارة تسلُّمه وسط ذهول عبدالحكيم عامر.
نحن ذكرنا هنا نزاهة وما امتلكه جمال عبدالناصر تحديداً، حتى يستطيع العربي أن يقارنها بثروات من أتى بعده من الانقلابيين، أمثال بشار، وصدام، والقذافي وعلي صالح، ومن على شاكلتهم.