المعارضة الكويتية بمنعرج تاريخي في ظل تراجع قدرتها على التماسك والتأثير
أصدر فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) دراسة بعنوان المعارضة الكويتية في منعرج تاريخي في ظل تراجع قدرتها على التماسك والتأثير مستعينا خلالها ببعض البحوث والمراجع والإصدارات الخاصة لكتاب ومؤسسات عربية وغربية. وجاء في الدراسة:
يبدو مجلس الأمة الكويتي بالكاد ذا صلة بالتغيير السياسي في المنطقة العربية الذي أحدثه الربيع العربي منذ 2011. في الواقع، تراجع زخم المعارضة رغم استقرار مطالب الإصلاح التي بلغت ذروتها أعقاب الانتفاضات العربية، وشهد التغيير السياسي في الكويت انعكاسا لبعض التقدم الجزئي المحرز منذ يونيو 2012 نحو سلطة برلمانية أكبر.
لكن وان تجاوبت الحكومة مع بعض مطالب المعارضة كمحاربة الفساد وتحقيق تطلعات الكويتيين في حياة أفضل، خفت نشاط التيارات والأفراد المطالبة بتغيير شامل وسريع وجذري. وتبدو المعارضة اليوم لينة أكثر من أي وقت مضى في تجاوب مع مطلب التعاون بين السلطتين وعدم إعاقة النهضة الاقتصادية التي ترنو إليها البلاد.
ولقد أدى خطاب التغيير الصارم للمعارضة الى خفوتها تدريجيا أسوة بالحراك السياسي المعارض في المنطقة، وذلك بعد التصادم مع الحكومة وخيار مقاطعة الانتخابات من 2012 الى 2016، بحسب “الانباء”.
وعلى الرغم من عودة تيارات وأفراد تحمل مشعل المعارضة في مجلس 2016، إلا انه وقع تغيير ملحوظ في الخطاب السياسي والشعبي وكذلك التعامل مع الحكومة. وتميزت المعارضة الحالية بانقسامها على نفسها بعد أن فقدت الزعامات والتنظيم تحت مظلة التحالفات. وباتت خطابات الإصلاح التي تصنف ضمن شعارات المعارضة فردية سرعان ما تفقد بريقها ولا تجد لها تأثيرا شعبيا واسعا كما كانت عليه قبل 2012.
وقد نجحت الحكومة الكويتية في استيعاب زخم المعارضة من خلال استباق الإصلاح والاستمرار في حملة مكافحة الفساد على الرغم من بطء وتيرة التقدم فيها. إلى ذلك، حدت قوانين الصحافة والجرائم الإلكترونية التي سنها البرلمان في السنوات الأخيرة من زخم نشاط المعارضة على وسائل الإعلام التقليدي والإلكتروني.
ويبرز جليا أن جيل المعارضة الجديد لم يستطع خلافة الجيل القديم الذي تراجع نشاط كثير من رموزه. لكن على الرغم من تراجع نشاط المعارضة تحت قبة البرلمان أو خارجها إلا أن جيلا جديدا من الكويتيين قد يتبنون المعارضة الهادئة والهادفة التي لا تدعو للصدام بل الى الحوار والعقلانية نظرا لارتفاع نسبة الوعي السياسي خصوصا بين جيل الشباب.
تراجع قدرة المعارضة على التماسك
في ظل استمرار تقلص النقاش السياسي، تواجه المعارضة الكويتية المنقسمة بشدة تحديا. وبرز هذا التحدي في قدرتها على التماسك والتأثير والنشاط. وغالبا ما يقود انطباع رجال ومؤسسات الفكر والإعلام وعلماء الاجتماع والسياسة إلى اعتبار المعارضة مجموعة من النخب المتماسكة والتي تشتهر بتأثيرها السياسي في مجلس الأمة أو لنشاطها خارج مؤسسات الدولة. وخلال الحملات الانتخابية، يزداد هذا الانطباع بوصف بعض المرشحين كأعضاء في «المعارضة»، حيث يزيد انتقادهم للحكومة في محاولة للتميز على منافسيهم.
إلا أن واقع السياسة الكويتية يكذّب هذه التشوهات، فمنذ عام 2012 تضاءل وجود المعارضة في مجلس الأمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مرسوم قانون نظام الصوت الواحد. حيث نجح القانون الجديد من حد قدرة المعارضة على النجاح في ضوء التغييرات في ديناميكيات المنافسة الانتخابية بعد الحراك السياسي الذي احتضنه الربيع العربي.
وبوصول مرشحين مستقلين إلى مجلس الأمة خلال الانتخابات التكميلية الأخيرة في مارس 2019، تراجع نفوذ المعارضة التي لا يزيد نوابها على 15 من أصل 50 نائبا منتخبا و16 وزيرا، لتتراجع قدرتها على إجازة التشريعات التي تتبناها.
ولقد أدت مقاطعة المعارضة للانتخابات بين 2012 الى 2016 إلى جعل البرلمان يفتقر إلى الأعضاء الذين يرغبون في استخدام أدواته. في الأثناء اتخذت الحكومة إجراءات صارمة ضد بعض المعارضين، باستخدام بعض الأدوات كالملاحقات الأمنية والمحاكمات، وبعض من أعضاء المعارضة هم في حالة فرار من أحكام قضائية. وعلى مر تاريخ مجلس الأمة غلب على سلوك المعارضة التشنج قابلته حساسية مفرطة من الحكومة وهو ما أدى الى بحث المعارضة عن مسار جديد ينادي بالإصلاح على أساس آلية دستورية تحكم علاقة أعضاء الحكومة والمجلس من جهة وتؤدي الى تكامل عمل السلطتين باتجاه حل المشكلات وليس تعقيدها.
وقد ارتكبت المعارضة الكويتية منذ اندلاع الربيع العربي أخطاء أفقدت زخمها ولو تفادتها لكانت اليوم أقوى من أي وقت مضى. ومن بين أهم هذه الأخطاء اعتماد بعض أقطاب المعارضة الأسلوب الهجومي والانتقاد الشخصاني اللاذع بدل انتقاد السياسات والقوانين والمؤسسات، وهو ما عرض أصحابها لمخالفات قانونية.
وبدل أن يكون الاعتراض من خلال الأدوات القانونية الدستورية لجأ البعض الى طرق أخرى شعبوية واستفزازية دفعت بهم الى التصادم مع المؤسسات. وبما أن أسلوب المعارضة وفن الخطابة أهميته بقدر أهمية مضمون القضية أو الرأي الذي يدافع عنه النائب، يستمر البعض من أطياف المعارضة في استمالة الرأي العام من خلال تصريحات أو كتابات تغلب عليها المبالغة والإثارة والطابع الاستفزازي.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال تجربة الكويت البرلمانية ذات أهمية مركزية بالنسبة لدول الخليج والمنطقة. وإذا يبحث المواطنون في دول الخليج عن نماذج للمشاركة السياسية الموسعة، فإن مجلس الأمة في الكويت يوفر مثل هذا النموذج. وبالتالي، يعد أقوى برلمانات الخليج. ويمكن القول بأن مجلس الأمة الكويتي هو النموذج الوحيد الذي يستوعب الوضع الراهن والمرغوب فيه في دول الخليج.
الأداء الاستفزازي
اختلفت توجهات المعارضة الكويتية منذ الستينيات الى اليوم فهي تتفاعل بشكل نسبي مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وتتأثر بالأفكار والتجارب السياسية الإقليمية والعربية. وبالتالي فإن المعارضة الكويتية غير منفصلة تماما عن واقعها. فمثلما كانت المعارضة في الستينيات المتشكلة خصوصا من القوميين العرب تنادي بالحداثة والليبرالية والتحرر فضلا عن دورها الرقابي للحكومة، تغير تشكيل المعارضة منذ التسعينيات متأثرا بالظروف الإقليمية، وغلب عليه التيار الإسلامي المنادي بالتمسك بالقيم المحافظة. ولا يمكن إغفال ان المعارضة في التسعينيات هي نفسها التي عارضت سن بعض الإصلاحات كمشاركة المرأة في الحياة السياسية، وأيضا دافعت عن قانون منع الاختلاط.
يذكر أنه في ظل غياب عمل المجلس بعد حله في عام 1999، قبل أن يستكمل مدته الدستورية، ولحين إجراء انتخابات ثانية، استغلت الحكومة المادة 71 من الدستور الكويتي وأصدرت عددا كبيرا من المراسيم بلغ نحو 60 مرسوما كان بينها المرسوم الخاص بمنح المرأة الكويتية حقها في الترشيح والانتخاب، إلا أن نواب مجلس الأمة بقيادة التيار الإسلامي آنذاك رفضوا هذا المرسوم بعد عودة العمل بالمجلس.
ومرت المعارضة بعد ذلك بأحداث الربيع العربي وأصبحت توصف بالمعارضة الثورية التي تنادي بالتغيير السريع والجذري في أسس البنية المؤسسية للعملية السياسية ما أدى لخشية الحكومة من فوضوية الشعارات وطموحاتها، لتهدأ تدريجيا رياح هذه المعارضة وتبدأ في التلاشي وصولا الى تشكل معالم معارضة «فردية غير منسجمة ولا منظمة» تنادي بالحداثة (أفكار ليبرالية) والأصالة (أفكار محافظة) في الوقت نفسه. وان يغلب بعض عناصرها أدوات الحوار مع الحكومة يصر البعض الآخر على طرق المعارضة القديمة المتمثلة في التصادم والانفعال والتظاهر ومنهج الاستفزاز والوعيد.
كما أن نزوع بعض أطياف المعارضة عبر تاريخها في المجلس الى المبالغة والتعسف في استعمال الأدوات القانونية ضد الحكومة، أدى الى استمرار التوتر بين السلطتين. وعادة ما ينقلب السجال من أجل المحاسبة على السياسات والأفعال الى توتر شخصاني بدافع الاستفزاز. فالمجلس في عمومه يخشى أن يتهم بأنه ألعوبة بيد الحكومة فيتشدد ويبالغ في ممارسة دوره الرقابي والتشريعي ويرى أن إحراج الحكومة خير له من اتهامه بأنه تابع لها.
وهذا الهاجس الذي دفع ببعض نشطاء المعارضة الى التسرع في الأداء الهجومي غير المنظم في رفض سياسات الحكومة والذي ورط عددا من نواب المعارضة في مخالفة القوانين واللوائح، الأمر الذي دفع الى رفع الحصانة عن بعضهم مرارا طيلة تاريخ المجلس بسبب تعدد القضايا المرفوعة ضدهم، يمثل الهاجس نفسه من يدفع ببعض المعارضين اليوم الى إعادة قراءة تكتيكات المعارضة والتعلم من الأخطاء المرتكبة وإعادة أساليب انتقاد ومحاسبة الحكومة الى ما قبل فترة الربيع العربي لتكون أكثر انسجاما مع القانون ومبدأ احترام الوحدة الوطنية.
وقد ساعدت زيادة انتشار تكنولوجيات الاتصال والإعلام الحديثة في رواج مواقف المعارضة المعتمدة أكثر على أسلوب إثارة الجماهير ولفت الانتباه، وهو ما انساق إليه بعض أفراد المعارضة. فبفضل ارتفاع استخدام الكويتيين للإنترنت ومواقع الاتصال أصبح تشارك المعلومة والنفاذ إليها بوتيرة أسرع وبشكل أوضح وعلني. وبالتالي صار التفاعل لحظيا مع مواقف وتصريحات النواب أو الوزراء حول بعض القضايا. وبدت أحيانا بعض تصريحات عناصر المعارضة انفعالية ومتشنجة وغير مدروسة تتخذ مواقف على أساس معلومات غير دقيقة منشورة على مواقع التواصل والإنترنت.
كما حاول بعض النواب الاستفادة القصوى من منصات الإعلام الجديد. فبعضهم سطع نجمهم إعلاميا وشعبيا من خلال سعيهم الى مشاركة مداخلاتهم أو تصريحاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي، في حين أن نوابا آخرين يفضلون البقاء ضمن القائمة الصامتة.
ومخافة البقاء في منطقة الظل، يندفع بعض النواب الى معارضة الحكومة في أغلب إجراءاتها أو قوانينها أو مواقفها، والبعض الآخر يجنح الى الخطابة والوعيد، وآخرون الى المقاطعة، وكل هذه المواقف التي يكون بعضها انفعاليا ومضطربا، يعي النواب جيدا بأنها توثق إعلاميا وتتم مشاركتها شعبيا وتمثل أداة تسويقية جيدة لهم لكسب قاعدة شعبية كلما اقترب موعد الانتخابات.
لكن المعارضة مثلما سوقت نفسها إعلاميا بميولها الى الشعب وافق في المقابل بعض مكوناتها في المجلس على بعض القوانين التي لا تحظى بشعبية. وهذا ما ميز ضعف تكتيكات المعارضة أمام تكتيكات الحكومة.
فمن خلال انتخابات 2016 التي حصلت فيها المعارضة رغم نظام الصوت الواحد على تأييد شعبي كبير مستفيدة من حرص الشعب على إقامة برلمان نافذ يضطلع بدور الرقيب على السلطة التنفيذية، لم يتمكن نواب المعارضة من مواجهة إجراءات وقوانين التقشف والحريات التي مررتها الحكومة وتذمرت منها بعض القطاعات الشعبية، حيث لم تقدم بدائل لهذه القوانين وظلت حصيلة المعارضة حول ذلك شبه خاوية.
فالمعارضة اليوم التي يتقدمها الإسلاميون والذي خسروا مقعدين في الانتخابات التكميلية الأخيرة، يتولى معظم أعضائها حسب وعودهم الانتخابية مهمة مواجهة أي قيود تفرض على الحريات المدنية، كقوانين الإرهاب ووسائل الإعلام الجديدة، والتدبير الحكومي التأديبي القاضي بسحب الجنسية الكويتية من البعض.
كما عمد نواب المعارضة، منذ فوزهم في مجلس الأمة الكويتي 2016، إلى تنسيق جدول أعمالهم لمواجهة الخطط التقشفية التي وضعتها الحكومة. وقد تمكنت المعارضة، بدفع من الغضب الشعبي، من وضع عراقيل جدية أمام قدرة الحكومة على تطبيق جدول أعمالها بهذا الشأن. لكنها فشلت في تقديم بدائل حيوية عن التقشف ما عدا حملة شعبوية للضغط على العمال الوافدين في البلاد عبر حرمانهم من الفرص ودفعهم نحو المغادرة.
ونظرا لمحدودية التنسيق بين أعضاء المعارضة وعشوائية اعتراض بعضهم على عدد من مشاريع الحكومة، تصف بعض التحليلات والتقارير الدولية المعارضة الكويتية بمعطل لمشاريع حكومية تنموية كثيرة.
وترجع بدورها التأخير في نهضة الكويت أسوة بدول الخليج الأخرى الى استمرار السجال وعدم التوافق السياسي بين رؤى الحكومة والبرلمان.
نظام الصوت الواحد
أقر أول قانون للانتخاب عام 1962 في عهد أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح تمهيدا لأول انتخابات برلمانية. وأدخل على القانون عدد من التعديلات في الأعوام 1963 و1970 و1972 و1980 و1983 و1986 و1995 و2005 و2012. والذي كان آخرها الانتقال الى نظام الانتخاب على أساس الصوت الواحد.
ولقد غير نظام الصوت الواحد الجديد الطريقة التي يتعامل بها كل من المرشحين والمواطنين مع الانتخابات. فمن البداية، كان واضحا أن التحول إلى نظام الصوت الواحد حد من قدرة المجموعات المختلفة (القبائل والأحزاب الأولية والفصائل الأخرى المرتبطة أيديولوجيا) على تشكيل ائتلافات (قوائم) انتخابية وتعبئة الناخبين.
في ظل نظام الاقتراع بأربعة أصوات، كان من المألوف أن يقسم الكويتيون أصواتهم بين المرشحين الذين ساندوهم على أساس مختلف الروابط الاجتماعية أو السياسية. في الحقيقة لم يشجع النظام القديم المرشحين على تشكيل ائتلافات، بل أعطت المنافسة على الأصوات أيضا نكهة استراتيجية مميزة حيث يتم التفاوض بين المرشحين والقبائل قبل كل انتخابات.
وفي المقابل، تغيرت استراتيجية المرشح في ظل نظام الصوت الواحد، مما يلغي قيمة الائتلافات أو القوائم الانتخابية. وهذا بدوره شجع المرشحين على تركيز جهود التعبئة على الدوائر الانتخابية في مناطقهم، حيث من المرجح أن يحصلوا على صوت واحد للناخب، بدلا من محاولة الحصول على دعم مجموعات مختلفة في جميع أنحاء الدائرة.
وفي ظل النظام الانتخابي القديم كان مرشحو المعارضة القبلية والإسلامية أكثر قدرة على تأمين المزيد من الناخبين عبر الدوائر الانتخابية عندما تمكن الناخبون من توزيع أصواتهم على أفراد الأسرة وممثلي القبائل وممثلي الفصائل السياسية المختلفة. لكن اليوم مع نظام الصوت الواحد، أصبحت الجهود المبذولة لتعبئة الناخبين عبر العديد من الدوائر الانتخابية أكثر صعوبة. حيث بموجب نظام الصوت الواحد ما عاد من الممكن للمرشحين تشكيل ائتلافات وجذب الأصوات المتأرجحة الثانية والثالثة والرابعة للناخبين. وقد حفز التحول إلى نظام الصوت الواحد المرشحين على التركيز على الدوائر الانتخابية التي هم على دراية بها.
وعلى صعيد آخر، قام النظام الانتخابي الجديد بتقسيم الميول التعاونية بين النواب الذين ينتمون إلى دوائر مماثلة مع وجود قواعد انتخابية متداخلة.
وهو ما شجع المنافسة داخل مجموعات متماسكة سابقا. ففي عام 2016، أصبح على المرشحين المنتمين إلى بعض القبائل منافسة بعضهم البعض لكسب تأييد أعضاء القبائل.
وقد شجعت الديناميكيات الجديدة للانتخابات المواطنين على البحث عن ممثليهم للحصول على الخدمات.
وتختلف أنواع الخدمات التي يقدمها النواب بين المناطق، ولكنها تشمل، على سبيل المثال، تقديم الدعم للمصالح التجارية والحصول على الرعاية الصحية والتوظيف. وتدفع المرشحين إلى التنافس على تأكيد قدرتهم على تقديم الخدمات.
ويجدر الذكر ان القانون الانتخابي السابق وان شجع المرشحين على بناء جسور مع أنواع مختلفة من الناخبين، فإن القانون الجديد قد فعل العكس.
في السابق، كان المرشحون يفخرون بقدرتهم على كسب تأييد جميع الناخبين المختلفين: سنيا أو شيعيا، ليبراليا أو إسلاميا، وحضر أو بدو، وما إلى ذلك. اليوم يلجأ الكثيرون إلى الاستقطاب في محاولة لجذب الدعم من أولئك الناخبين الذين من المرجح بالفعل أن يصوتوا لصالحهم.
ومن بين تحديات قانون الانتخابات الجديد احتمال تعزز دوره في تآكل التعددية المجزأة الحيوية لواقع مجلس الأمة. فلقد حدت التغييرات من قدرة النخب المعارضة على الفوز في الانتخابات وتشكيل الكتل البرلمانية المؤلفة من الائتلافات المرتبطة بالحملات الانتخابية. وفي حين أن تنوع الحياة السياسية في الكويت سيستمر على الأرجح، فإن الآليات التي من خلالها يتقدم المرشحون والمواطنون إلى الانتخابات سيكون لها آثار دائمة على الأجيال المقبلة.
مستقبل المعارضة يواجه تحديات
يستمر أعضاء حركة المعارضة الواسعة النطاق وغير المنظمة بشكل واضح في نقدهم لقانون الانتخاب الحالي. ويعتقد أن نظام الصوت الواحد يسهل تقدم المستقلين على التكتلات السياسية المنظمة والمجموعات القبلية التي تطغى عليها الطابع الإسلامي القومي – اليساري والقبلي. ويولي أعضاء المعارضة أهمية لقضايا الإصلاح السياسي التي يعتبرها أعضاء آخرون مهمة. لكن التعبير عن مثل هذه القضايا بات شيئا مختلفا في ظل تطبيقات قوانين تنظم التعبير والرأي.
فلقد أقر البرلمان قانونا مقيدا يتعلق بالإعلام، بأغلبية ساحقة (صوت 37 من أصل 50 عضوا في البرلمان لصالح القانون فيما لم يقدم إلا 4 على رفضه)، يفرض على وسائل الإعلام الإلكترونية المهنية أن تحصل على رخصة عمل من الحكومة، كما يحدد أحكام السجن التي تفرض على كل من يرتكب أي من الانتهاكات الواردة في هذا القانون.
وأتى مشروع القانون هذا على أعقاب إقرار قانون صارم مماثل يتعلق بالجرائم الإلكترونية. ولعل أكثر ما ألحق الضرر المباشر بالمعارضة كان إقرار قانون في شهر يونيو من العام 2016، كان قد حصل على تأييد 40 عضوا من أعضاء البرلمان، يمنع الكويتيين الذين تعرضوا بالإهانة للذات الأميرية أو الذات الإلهية أو الأنبياء من خوض الانتخابات. وسيطول هذا الأمر عشرات أعضاء من المعارضة، ما سيضعف موقفهم في الانتخابات القادمة إن قرروا أن يخوضوها.
ومن الواضح ان الحكومة تأمل أن تتجنب ظهور ائتلاف انتخابي موحد للمعارضة. إلا أنه وفي حين يبدو أن وحدة المعارضة حول أجندة الإصلاحات الدستورية قد بلغت مستويات غير مسبوقة منذ العام 2006، فإن التكتيكات التي يعتمدها أعضاء الائتلاف لتحقيق هدفهم تزداد تباينا خصوصا مع عدم تمكن أعضاء المعارضة من تشكيل ائتلاف نظري موحد، آل إلى التداعي في حقيقة الأمر أمام تكتيكات الحكومة.
وبات بعض عناصر المعارضة يلجأون إلى وسائل أخرى للتعبير عن معارضتهم. إلا أن الحكومة باتت تتخذ إجراءات صارمة بشكل منظم أكثر، وتستخدم وسائل متعددة لتحكم قبضتها على الوسائل الإعلامية التابعة لأعضاء المعارضة.
وما بين العامين 2014 و2015، سحبت الحكومة الكويتية الجنسية من 33 كويتيا، معظمهم من أعضاء المعارضة يعبرون علنا عن آرائهم. وعلقت التراخيص الممنوحة لجريدتين معارضتين في أبريل 2014، على أعقاب شكاوى قدمت إلى وزارة الإعلام. وبعد مرور سنة، ألغت وزارة الإعلام تراخيص قناتين تلفزيونيتين مرتبطتين بإحدى الجريدتين اللتين أغلقتا في السابق، ويجرم قانون الحكومة المتعلق بالجرائم الإلكترونية، انتقاد الحكومة والشخصيات السياسية وقادة الحكومات الأجنبية.
تاريخ المعارضة
منذ استقلالها عام 1961، ارتأت الكويت تأسيس دولة مؤسسات حديثة، وكانت انتخابات المجلس التأسيسي في يناير 1962 أول فعل ديموقراطي ترجمت به رغبتها في دولة الحداثة القائمة على دستور الكويت الحالي. ومنذ ذلك الحين يمارس الكويتيون الحياة الديموقراطية عبر الانتخاب والمشاركة في الحياة السياسية من خلال مجلس الأمة.
وخلال هذه الممارسة الديموقراطية انصهرت تيارات المعارضة المكونة من تيارات تقدمية وقومية وإسلامية أصبحت تعمل ضمن إطار المؤسسة التشريعية. ورغم تعطيل مجلس الأمة من العام 1976 إلى العام 1981، إلا أن المعارضة بقيت تعمل ضمن إطار المؤسسات الدستورية دون الخروج إلى الشارع كما حدث عقب أحداث الربيع العربي.
وانقسمت المعارضة إزاء المشاركة في مجلس الأمة في عام 1981، إلا أنها عادت وشاركت في انتخابات 1985 ولأول مرة في التاريخ الكويتي، فازت بأغلبية المقاعد في البرلمان.
وكانت التيارات الدينية، أبرزها (السلفيون والإخوان المسلمون)، موالين للحكومة حينها. لكن نظرا لكثرة الاستجوابات تم حل مجلس الأمة في عام 1986. وشكل ذاك العام منعطفا جديدا في الحياة السياسية الكويتية، حيث تم تعليق الدستور، فتشكلت معارضة جديدة تطالب بعودة العمل بالدستور وعودة مجلس الأمة. وأسست المعارضة ما يسمى بـ «دواوين الإثنين» وواجهت بها المجلس الجديد الذي شكلته الحكومة في ذلك الوقت «المجلس الوطني»، كما ظهرت للسطح معارضات جديدة كالتجمع الدستوري، وتجمع كتلة الـ 45، لتنضم إلى التيارات الموجودة، وهي التجمع الديموقراطي والتجمع الوطني الديموقراطي.
وسعت الحكومة على امتداد مجالس الأمة الى كسب موالين خصوصا إبان الانتخابات التشريعية، وتحوم شبهات حول ظاهرة شراء الأصوات لكسب ولاء النواب. كما نشبت خلافات حادة بين الحكومة وأعضاء المجلس خاصة بعد حل مجلس الأمة الثاني في 1986 وقد انتقد بعض أعضاء مجلس الأمة مزاعم الاختلاسات الكبرى وهدر ثروات البلاد وغياب الدور الرقابي.
وأدى غياب معارضة مؤسسية جيدة، وإحباط شعبي من قدرة هذه المعارضة على تحقيقها لتطلعاتها إلى تعثر المنافسة الانتخابية في الكويت. فمنذ الانتخابات البرلمانية الأولى في عام 1963، استخدمت الكويت أربعة أنظمة انتخابية مختلفة.
في النظم الانتخابية التعددية، يصوت الناخبون للمرشحين في الدوائر الانتخابية متعددة الأعضاء. لا يحتاج المرشحون إلى الحصول على أغلبية الأصوات من أجل الفوز بمقعد. وترى دوائر المعارضة الكويتية بصفة خاصة ان الحكومة هي صاحبة الكفة الراجحة في تحديد شكل التركيبة النيابية للمجلس، وفي ضبط أدائه سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويشار في هذا المجال الى العريضة المقدمة بشأن اتهام الحكومة بتزوير انتخابات عام 1967.
في عام 2006، نجح الناشطون الكويتيون وعناصر المعارضة آنذاك في التأثير على تعديل قانون الانتخاب وخفض عدد الدوائر الانتخابية من 25 دائرة من عضوين إلى 5 دوائر من عشرة أعضاء مع تصويت جزئي (محدود). في السابق، كان لكل ناخب صوتان في دوائر انتخب كل منهما مرشحين اثنين. بموجب نظام الاقتراع الجزئي (المحدود)، منح كل ناخب أربعة أصوات مع وجود دوائر أكبر ومزيد من الأصوات تحت تصرفهم، وكان للناخبين الحرية في توزيع أصواتهم على أفراد الأسرة وممثلي القبائل والمستقلين.
أجريت الانتخابات في ظل هذا النظام في الأعوام 2006 و2008 و2009 و2012، مما أدى إلى إفراز معارضة كبيرة. دفعت انتقادات كتلة الأغلبية المعارضة للحكومة ورموزها إلى حل مجلس الأمة في يونيو 2012. وكانت كتلة الأغلبية أكثر كتل المعارضة مواجهة بشراسة للحكومة في تاريخ المجلس. وشهدت السنوات القليلة الماضية انعكاسا جزئيا للمكاسب التي حققها مجلس الأمة في السنوات التي سبقت عام 2012. غير أن مرسوم تغيير النظام الانتخابي الى نظام الصوت الواحد في خريف عام 2012، أدى الى ردة فعل من المعارضة اقتصرت على مقاطعة الانتخابات في ديسمبر 2012. وفي ربيع عام 2014، استقال الكثير من عناصر المعارضة المتبقية، تاركين المجلس بدون تمثيل عن قوى المعارضة الكويتية.
وفي محاولة لحل أزمة التوتر الدائم بين المجلس والحكومة، صدر مرسوم بتعديل القانون الانتخابي في أكتوبر 2012. منذ هذا التغيير، أجرت الكويت 3 انتخابات برلمانية في ديسمبر 2012 و2013 و2016. قاطعت هذه الانتخابات عناصر مختلفة من المعارضة احتجاجا على نظام الصوت الواحد. لكن منذ عام 2016، عاد العديد من المرشحين القبليين والإسلاميين المعارضين، بحجة أن قرار المحكمة الدستورية لعام 2013 حسم شرعية القانون الانتخابي الجديد ويدعم مرسوم نظام الصوت الواحد.
الاستنتاجات
منذ الاستقلال، تشبه الحياة السياسية في الكويت بـ «التعددية المجزأة» على غرار العديد من الديمقراطيات الأوروبية الصغيرة. إذ ان التوفيق بين «التنوع الديني والأيديولوجي مع التماسك المدني» في الكويت يعتبر مدهشا، حيث يمثل مسارا يستوعب نشاطا مختلف الحركات الاجتماعية، والجمعيات التطوعية، والتيارات السياسية.
وتشمل الطبقة السياسية الكويتية مجموعات وكتلا من السنة والشيعة والليبراليين والإسلاميين والحضر والبدو. ومثل هذا الانسجام دعامة في تعزيز مسار التحرر والحداثة التي رسخها دستور الكويت.
التحرر والحداثة التي تمسكت بها الكويت لم تحدث نتيجة لضعف داخلي في النظام بل كانت هناك رغبة سياسية عليا في الانفتاح السياسي وإرساء الديموقراطية منذ الستينيات.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح البرلمان عنصرا أساسيا في الهوية الوطنية الكويتية، وخاصة عندما يقارن الكويتيون بلادهم بدول أخرى في المنطقة. في الماضي، كانت الكويت رائدة في الخليج في العديد من المجالات. واليوم، هي في الغالب رائدة في المشاركة السياسية والحريات السياسية، وهذه نقطة فخر للكثير من الكويتيين – وإن لم يكن جميعهم. ومن هنا برز دور المعارضة الإصلاحي والداعي للمحافظة على المكتسبات السياسية والديمقراطية والحريات.
ومن الديناميكيات الفريدة التي نتجت عن ائتلاف المعارضة في السنوات الـ 10 الأخيرة والتي تشكلت على أعقاب الربيع العربي، نذكر الدور الرائد الذي تضطلع به العناصر القبلية في المجتمع الكويتي إذ تميل إلى الإدلاء بأصواتها ككتل مستقلة. وإذ أصبح العنصر القبلي أكثر تطلبا في الميدانين الاقتصادي والسياسي، عملت بعض النخب الحضرية على المحافظة على مكانتها من خلال دعم النظام الحالي بشكل أقوى، والجدير بالذكر أن هذا الدور يختلف عن ذاك الذي أدته العناصر الحضرية في الماضي.
وقد مثل الانفتاح التدريجي للمعارضة الكويتية في عهدها الحديث والتي تستوعب تشكيلات من التنوع الأيديولوجي والطائفي والمجتمعي (حضر وبدو) على مقترحات التعاون مع الحكومة والاعتراض على سياساتها بواسطة الأدوات الدستورية مسارا يواجه تحديين اثنين: مزيد من الإنجاز بتكتيكات جديدة، أو مزيد من الضعف والتفتت. فمسار السجال والتعاون بين البرلمان والحكومة وقبول مبدأ النقاش والتحاور يسود في أعتى برلمانات العالم الديموقراطي الحديث.
اذ لا يقتصر عمل المعارضة على رفض رؤية الحكومة بدعوى عدم السقوط في التبعية لها والميل الى المعارضة بدعوى الاصطفاف الى الشعب، وكأن كل الشعب من المعارضين. لكن سلوك المعارضة مثلما عرف نجاحات في الدفاع عن حقوق المواطنين وتصحيح أخطاء الحكومة والدفاع عن المال العام، مثلما وقع أيضا في هفوات لعل أبرزها الانجرار الى النقد غير البناء والشخصاني والبحث عن افتعال الأزمات دون تقديم حلول بديلة. حيث بقيت قضايا خلافية كثيرة في جداول أعمال البرلمان دون حلول حاسمة نظرا لغياب حلول توافقية بديلة قدمها نواب الأمة سواء من المعارضين أو الموالين أو المستقلين.
وقد أثبتت التجربة أن استمرار التوتر بين الحكومة والمجلس يؤخر من وتيرة تنمية البلاد. ويعود هذا التوتر الى القصور في البنية المؤسسية للعملية السياسية وتأتي بعدها الأزمات الطارئة وبعض الاعتبارات والمصالح الخاصة.